هل يمكن تقدير الإجهاد المالي قبل أن يلحق الضرر بالمقترضين؟
كشفت البحوث الأخيرة عن مستويات مهمّة من التقصير في السداد والتخلّف عنه وإعادة توظيف المال في أسواق الائتمان الرقمية. في حين أنّ هذه الدراسات هي مفيدة بطبيعتها، إلاّ أنها تستند إلى مؤشرات متأخرة تنظر إلى المراحل السابقة وتضيء على المشاكل التي سبق وبدأت تتراكم منذ فترة من الزمن لدى المقترضين.
ففي الوقت الذي يتم فيه فعليًا وضع هذه المؤشرات والدراسات، تكون أضرار كبيرة قد أُلحقت بالمستهلكين، ولن تتوفّر للمقرضين والمشرفين سوى مجموعة محدودة من الإجراءات التصحيحية والاستجابية للتخفيف من وطأة الأضرار التي تلحق بالعملاء ومن حدّة المشاكل التي تترتّب على المقرضين والقطاع المالي.
وبالتالي، بهدف اتخاذ إجراءات استباقية ووقائية، يتعين جمع المؤشرات الرئيسية ومراقبتها لتقدير الإجهاد المالي قبل أن يتضرّر المقترضون والمقرضون والقطاع المالي بشكل عام. لم تُجر سوى بحوث محدودة لوضع أدوات تسمح بتتبع هذه المؤشرات، ولكن نظام الإنذار المبكر بالإجهاد المالي الذي تعمل المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء أو "سيغاب" حاليًا على اختباره مع المؤسسة الرقمية المانحة للقروض "فور جي كابيتال" يُبشر بحلّ ناجح.
ما هو نظام الإنذار المبكر بالإجهاد المالي؟
وساهمت في تفادي المجاعة. كان الهدف من تلك الفكرة بناء نظام مماثل يسمح للمقرضين والمشرفين بمراقبة عدد محدود من المؤشرات الرئيسية للإجهاد المالي بكلفة متدنية لجميع العملاء أو لعينة منهم، وبالتالي تمكين المقرضين من تفادي مشاكل السداد ضمن محافظهم وتمكين المشرفين من استباق المشاكل على مستوى السوق.
ولاختبار الفكرة على أرض الواقع، عقدت "سيغاب" شراكة مع "فور جي كابيتال" وهي مؤسسة مانحة للقروض الرقمية قائمة في كينيا وتستهدف رواد الأعمال من الحجم الصغير والأصغر. وبدأنا معًا خلال الأشهر التسعة الماضية بتطوير نظام للإنذار المبكر بالإجهاد المالي في كينيا وباختباره.
يعمل النظام الذي نقوم باختباره على تحديد مستويات الإجهاد المالي لدى العملاء بناء على الاستراتيجيات التي يعتمدونها لمواجهة الأزمات.
مثل شراء الأغذية أو العلامات التجارية الأقل تكلفة أو تخفيض نسبة إنفاقهم على الأنشطة الترفيهية، أو قد يلجؤون إلى استراتيجيات قاسية مثل تعليق دراسة أولادهم أو تفويت وجبة طعام أو أسوأ من ذلك.فهذه الاستراتيجيات المعتمدة في مواجهة الأزمات تشير إلى المستويات الحالية للإجهاد، وبالتالي سنتمكّن، من خلال تتبع هذه المؤشرات على فترة من الزمن، من مراقبة ارتفاع مستويات الإجهاد، على افتراض أن مستويات الإجهاد المختلفة ترتبط بسلوكيات معيّنة، مثل التقصير في السداد أو التخلّف عنه، ثم نؤكّد، في خطوة تالية، على ما إذا كانت مستويات الإجهاد تسمح بتقدير إمكانية السداد لدى العملاء وما إذا أمكن استخدامها للتخفيف من المديونية المفرطة أو تفاديها.
نعمل حاليًا على اختبار ثلاث طرق يمكن اعتمادها لجمع البيانات حول استراتيجيات المواجهة، وهي: استبيانات عبر الرسائل القصيرة، واستبيانات عبر مراكز الاتصال، وزيارات شخصية مرتبطة بزيارات الموظفين الحالية إلى المقترضين لتوفير التدريب على العمل بعد سبة أيام من صرف القرض.
ما الذي تشير إليه بيانات الاختبار لجهة الإجهاد المالي بين المقترضين الرقميين؟
ولا حاجة إلى إعادة التمويل. وتعزو الشركة ذلك إلى النموذج الذي تعتمده والذي يدمج ما بين التدريب والحجم المناسب لقروض رأس المال العامل وقنوات التواصل الشخصية والإلكترونية مع العملاء.
وعلى الرغم من ذلك، أشار الاستبيان الذي أجري عبر الرسائل القصيرة مع 692 عميلًا لدى مؤسسة "فور جي كابيتال" في يونيو 2021 إلى أنّ 83 في المئة من العملاء كانوا يمرّون بنوع من الإجهاد المالي. وتوزّعت النسبة بشكل متساو بين:
- إجهاد مالي مرتفع (مثلاً، بيع الأصول لتلبية الاحتياجات الأساسية)
- إجهاد معتدل (مثلاً، تخفيض نسبة الإنفاق على الأغذية)
- إجهاد خفيف (مثلاً، تخفيض نفقات العائلة الأساسية)
وتجدر الإشارة إلى أن
(على الرغم من أنّ الإناث أفدن بنسبة أعلى من الصدمات وعوامل الإجهاد وكان مستوى دخلهن أدنى في المتوسط).تشير هذه البيانات إلى أنّه حتى ولو كان العملاء يسدّدون قروضهم الرقمية في الأوقات المحدّدة، واجه الكثير منهم تحدّيات شخصية مهمّة واضطروا إلى اتخاذ قرارات مالية صعبة، ولقد عمد بعضهم إلى التضحية باحتياجاتهم الأساسية لإنقاذ عملهم والمحافظة على تصنيفهم الائتماني. وفي حالات أصعب، أفادت إحدى العميلات أنها استخدمت كافة ادخاراتها لتسديد الفواتير وإعالة ابنتها التي خسرت عملها، وقالت إنها باعت الثلاجة والموقد الغازي لدفع الإيجار وبدأت تحضّر الطعام على الفحم.
وتجدر الإشارة إلى أن الإجهاد المالي لدى عملاء "فور جي كابيتال" قد يختلف عن الإجهاد المالي لدى عملاء مقرضين آخرين. تركّز "فور جي كابيتال" على الإقراض المنتج لزيادة إيرادات المؤسسات الصغرى وربحيتها، وبالتالي يتعيّن عليها أن تتأكد بدقة من أنّ أعمال عملائها قابلة الاستمرار وستولّد أرباحًا كافية تسمح لهم بتسديد قروضهم. أما المقرضون الآخرون الذين يقدّمون قروضًا استهلاكية رقمية عبر التطبيقات على الأجهزة المحمولة باستخدام خوارزميات لتقييم قدرة العملاء على السداد، قد يتعاملون مع نوع مختلف من العملاء يخضعون لمستويات أعلى بكثير من الإجهاد.
كيف يمكن استخدام نظام الإنذار المبكر؟
في إطار عمليات إدارة المخاطر الأوسع. ففي حين أنّ المؤشرات المستخدمة لاختبار هذه الأداة تخصّ كينيا بالتحديد، ولكن يتوفّر حجم كافي من البيانات حول الإجهاد المالي واستراتيجيات مواجهته في معظم البلدان وتسمح بتطوير أدوات مماثلة للإنذار المبكر لأسواق أخرى باتباع العملية التي تمّ وضعها خلال هذا المشروع التجريبي. وعلى صعيد المؤسسات، يمكن للمقرضين استخدام مستوى أفضل من البيانات حول المستويات الفعلية للإجهاد وارتباطها بالأداء المستقبلي للعملاء، من أجل تحسين عملية إدارة المخاطر لديها ودعم قرارات الإقراض.
أما على مستوى الأسواق، يمكن للمشرفين والجمعيات القطاعية والمموّلين استخدام البيانات لقياس ومراقبة مؤشرات الإجهاد المالي لدى العملاء وتقييم طريقة إدارتها من قبل المقرضين. في الحقيقة، أبرزت جائحة كوفيد-19 أهمية فهم الإجهاد المالي في وقت مبكر وبالاستناد إلى البيانات لفهم الإجهاد المالي بشكل خاص لدى المقترضين ذوي الدخل المنخفض والمستضعفين وذلك قبل أن يلحق الضرر بالمستهلكين.
ما هي الخطوات التالية التي يجب اتخاذها لتطوير النظام؟
في إطار مشروعنا التجريبي مع "فور جي كابيتال"، قمنا بتطوير واختبار أداة تستند إلى مجموعة بسيطة من مؤشرات استراتيجيات مواجهة الإجهاد التي تمّ اختبارها بشكل صارم. وبيّن التحليل الإحصائي أن النظام قام بشكل ثابت بقياس الإجهاد المالي وسمح لمؤسسة "فور جي كابيتال" بتقدير مستويات الإجهاد الحالية لدى محفظة عملائها.
في المرحلة التالية، سيتم اختبار إلى أي درجة يمكن تنبؤ السلوك المستقبلي للعملاء بناء على مستويات الإجهاد الحالية واعتمادها كنظام للإنذار المبكر بمشاكل القصور في السداد والتخلّف عن السداد وإعادة توظيف المال وغيرها. وبما أنّ معظم عملاء "فور جي كابيتال" اختاروا أجلاً بمدة 30 يومًا لتسديد القروض، سيكون من الممكن الحصول على هذا التحليل التنبؤي خلال الأسابيع المقبلة. سنعرض النتائج التنبؤية في مقالة لاحقة، تابعونا!
________________________________________
يمكنكم الاطلاع بشكل مفصّل على منهجية نظام الإنذار المبكر وعملية تطوير الأداة واختبارها في مقالتنا التالية. يشكّل هذا المشروع التجريبي جزءًا من الجهود الأوسع التي تبذلها "سيغاب" لتعزيز استخدام أدوات متابعة السوق من أجل تحديد المخاطر الاستهلاكية المالية الرقمية ونتائجها، وتقييمها ومتابعتها.