جائحة كوفيد-19 والتمويل الأصغر: تجاوز الصعوبات المتعلّقة بإعادة الهيكلة
فرضت جائحة كوفيد-19 والتدابير التي اتُخذت لمواجهتها تحدّيات لم يسبق لها مثيل على المستثمرين ومزوّدي خدمات التمويل الأصغر والقروض إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والأفراد المستضعفين الذين يستفيدون من هذه الخدمات. وتستمر جهود الإغاثة وعمليات إعادة الهيكلة، وأصبحت الحاجة إلى الابتكار ضرورة لا بدّ منها بشكل متزايد، وستقع أحداث خارجية بشكل متكرّر أكثر، منها أزمات مالية أو تقلّبات في العملة وجائحات أخرى وأحداث متعلقة بالتقلّبات المناخية مثل الفيضانات والزلازل.
والسؤال هنا: ما الذي تعلّمه المستثمرون من هذه الأزمة؟ وما الذي يمكنهم القيام به لتحسين جاهزية المزوّدين لمواجهة الأزمات المستقبلية؟
عمليات إعادة الهيكلة لمواجهة كوفيد-19 لغاية اليوم
، وذلك رغم عدم قدرة المستثمرين على السفر للقيام بالعناية الواجبة في الموقع وعلى الرغم من الضغوطات التي فرضتها الاجتماعات الرقمية عبر الفيديو على العلاقات القائمة على الثقة واللازمة للتوافق على عمليات إعادة الهيكلة المالية وكيفية الاستجابة للأزمات، وعلى الرغم من مواجهة جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات عبر الفيديو ضغوطات لا سابق لها.
تمّ تطبيق إجراءات مؤقتة في وقت باكر، مثل اتفاقات تجميد الأوضاع وتأجيل الدفعات، ويتم بذل جهود جهيدة لبلوغ اتفاقات ودّية لإعادة هيكلة أو جدولة الدفعات على نحو منصف لمزوّدي التمويل الأصغر والقروض المخصّصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم (المستفيدة من الاستثمار) والمستثمرين فيها، ولدعم المستفيدين من الاستثمار وتمكينهم من الاستمرار. ويواصل الكثير من المستفيدين من الاستثمار المشاركة في مفاوضات مع جهات دولية ومحلية مانحة للقروض وأطراف معنية أخرى، ولكن البيانات المتوفّرة بشكل موثوق عن أداء المحفظة الحالية والسابقة أصبحت نادرة، ومن دون وجود سيناريو متوافق عليه للوضع الراهن، من الصعب وضع توقّعات موثوقة، وتجد الأطراف صعوبة في تقييم التضحيات اللازمة وتحديد الزيادات المحتملة في الأوراق المالية وكيفية تقاسم الأعباء.
إنّ خبرة المستثمرين والمستفيدين من الاستثمار محدودة في إدارة أزمات عدّة شديدة ومتزامنة، خاصة عندما تشارك في إدارتها أطراف معنية متعددة وذات مصالح مختلفة. وقد تضعف الثقة أو قد تزال نهائيًا في حال ساورت المستثمرين الشكوك حيال شفافية مزوّدي الخدمات المالية، وقد تنشغل الأطراف في تحديد المشكلة الحقيقية التي يواجهها مزوّدو الخدمات وفي تحديد ما إذا كانت تتعلق المشكلة بالسيولة بالفعل أم أنهم يواجهون أزمة اعسار. وفي بعض الحالات، تقدّم المقترضون بدعوى حماية محلية من الاعسار، ما أدى إلى إبطاء القرارات وزيادة التكاليف.
تمّ تنفيذ نهج ابتكارية في إعادة الهيكلة على الرغم من البحث المستمر عن نهج أكثر تقليدية.
، ولا يمكن للمستثمرين تبرير التخفيضات الكاملة للجان الاستثمار والمستثمرين خاصةً عند التعامل مع العديد من الحالات المُجهدة.لقد رأينا المستثمرين يحاولون بيع محافظ التمويل الأصغر أو قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على الرغم من صعوبة القيام بتقييمات موثوقة للمحافظ وتحديد الأسعار المناسبة. وتمكّن بعض المستثمرين من الحصول على ديون إضافية أو استثمارات في الأسهم خلال الجائحة، ولكن لم يكن ذلك سهلاً أبدًا على المزوّدين المتعسرين. تشتمل بعض النهج التي تتم دراستها على تحفيز دفع أصول الدين من خلال تقديم إعفاء جزئي من الدين وفترات من دون فائدة واقتراح تحويل الدين إلى دين ثانوي. ولكن الغموض الذي يحيط بالبيانات يخيّم على كافة المفاوضات، وقد تحتاج الأطراف إلى اتخاذ خطوات جريئة وعملية لتمكين المستفيدين من الاستثمار (والمستثمرين) من التركيز مجددًا على عملهم الأساسي بدلاً من الغوص في المفاوضات.
ما الذي تعلّمه المستثمرون من عمليات إعادة الهيكلة هذه؟
في ما يلي بعض الاعتبارات العملية التي قد تساعد في التقدّم في المفاوضات بشكل أسرع:
- مشاركة بعض الأدوات والهيكليات مع الأطراف التي تخوض عمليات إعادة الهيكلة. أظهرت جائحة كوفيد-19 أن النُهج التي اتُبعت في الماضي في عمليات إعادة الهيكلة لم تكن دائمًا مثالية، خاصةً في ظل أزمة عالمية. وكشفت الجائحة أيضًا أن المستثمرين والمستفيدين من الاستثمار ليسوا دائمًا على اطلاع على الحلول الابتكارية المعتمدة من قبل الآخرين. وبالتالي، إن البحث عن طرق تتيح تعميم الحلول البديلة سيسهّل عمليات إعادة الهيكلة.
- تزويد المستفيدين من الاستثمار بالموارد والأموال المتوفرة لتقديم الدعم التقني في اكتساب مهارات إدارة عمليات إعادة الهيكلة. غالبًا ما تطلب المجموعات المانحة للقروض من المستفيدين من الاستثمار تعيين مستشارين لتأكيد البيانات والمساعدة في تصميم عمليات إعادة الهيكلة وتنفيذها، ولكن غالبًا ما يحاول المستفيدون من الاستثمار تفادي ذلك بسبب التكاليف التي قد تترتّب عليهم (ومن يلومهم!) وخشية تحميلهم المسؤولية. إلا أنّ تعيين مستشارين موضوعيين يملكون المهارات ذات الصلة سيساهم بشكل كبير في تحسين فرص تنفيذ خطط ناجحة ومستدامة في إعادة الهيكلة، ما قد يساهم بدوره في صون العلاقات بين المستثمرين والمستفيدين من الاستثمار.
- الجمع بين جميع الأطراف وتبادل المعلومات ذات الصلة. نادرًا ما تجمع المفاوضات ما بين الجهات المانحة للقروض الدولية والمحلية معًا، علمًا أن الجهات المحلية تشكّل مصدرًا رئيسيًا للرؤوس الأموال الجديدة. وعندما لا تشارك جميع الأطراف المعنية في المفاوضات، يصعب التفاوض على خطة منصفة ومقبولة من الجميع. وأحيانًا، يشعر المستفيدون من الاستثمار أنّ مصلحتهم تصبّ في فصل الصفقات التي تُعقد مع مقرضين أو مجموعات مختلفة من الجهات المانحة للقروض، ولكن الخطة التي تكون قابلة للاستمرار هي في أغلب الأحيان حصيلة حوارات شمولية وشفافية بين الأطراف المعنية وتوافق هذه الأخيرة على المسائل التي تتعلّق بتوّفر وشروط الدين الجديد أو التمويل المحتمل للأسهم. ويمكن للمستثمرين مساعدة المستفيدين من الاستثمار في تنفيذ استراتيجيات تدعم هذا النوع من الحوار بين أصحاب المصلحة وإدارة العلاقات بشكل أفضل مع أطراف معنية عدّة.
الانطلاق من الدروس المستفادة وتحسين الاستعداد لمواجهة الأزمات المستقبلية
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكننا تمتين صلابة مزوّدي التمويل الأصغر للمؤسسات غير الناضجة ومزوّدي الخدمات المالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في وجه الأحداث الخارجية في المستقبل؟ في ما يلي ثلاث مجموعات عامة من النُهج التي يمكن أن ينظر فيها المستثمرون عند إقامة استثمارات جديدة وإدارتها لمزوّدي التمويل الأصغر وقروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم:
- عند تحديد الفرص والتحدّيات المتعلقة بالنموذج التشغيلي والحوكمة والموظّفين والإدارة ونموذج العمل وتقنية المعلومات، يجب تقييم كافة الجوانب في سيناريو وقوع الأزمة للإضاءة على جوانب الضعف المحتملة. قد تشمل التحسينات والدعم في هذا السياق إعداد مواثيق ومقاييس مختلفة، وربما توفير التمويل لتقديم المساعدة التقنية لتحسين جاهزية المستفيدين من الاستثمار واستعداداتهم.
- في بداية عمليات الاستثمار، يجب التركيز مع فرق العمل لدى المستفيدين من الاستثمار على الحاجة إلى توفير أدوات تساعد على إدارة الأزمات. ويتعين على المستفيدين من الاستثمار التركيز على استراتيجيات التواصل مع جميع الأطراف المعنية، ولا بدّ من أن تتوفّر الشفافية لبناء الثقة مع جميع الأطراف في كافة الظروف.
- إقامة علاقات أعمق مع الأطراف المعنية الأخرى، بما فيها المستثمرين الآخرين (المحليين والدوليين) والحكومات والجهات الناظمة المحلية. إلى ذلك، لا بدّ من إدارة الجوانب الخاصة بالمحافظة على السريّة، وأخيرًا لا يجب نسيان أن العلاقات الحميدة تتيح اتخاذ قرارات وديّة في الأوقات العصيبة.
ماري روز بروزويتز هي عضو مكلّف في مكتب مؤسسة كلارك هيل في نيويورك وعضو مؤسّس في مجموعة العمل القانونية للاستثمار في الأثر IILWG. هذه المقالة هي جزء من حلقات المدونة "القدرة على تسديد الديون في قطاع التمويل الأصغر في ظل جائحة كوفيد-19،" التي تنظر في المشاكل الرئيسية التي نشأت خلال جائحة كوفيد-19 والسبل التي يمكن اعتماها في المراحل القادمة في القطاع.