المؤشر العالمي Findex: الرقمنة خلال جائحة كورونا عززت الشمول المالي
لم نتلق مؤخرًا الكثير من الأنباء الطيبة عن الاقتصاد العالمي، ولكن يمكننا التفاؤل في مجال رئيسي من مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهو مجال الشمول المالي الذي شهد تقدمًا مهمًّا وثابتًا تبيّن من خلال الوصول المتزايد للفقراء في العالم إلى الخدمات المالية. ويتبيّن عقد من التقدّم من خلال المؤشر العالمي الجديد للشمول المالي الذي نشرته مجموعة البنك الدولي.
لقد تغيّر الكثير منذ جمع آخر مؤشرات المؤشر العالمي للشمول المالي في عام 2017. فقد ارتفع متوسط معدل فتح الحسابات في البلدان النامية بنحو 8 نقاط مئوية، من 63% إلى 71%. ومن اللافت أن هذه الزيادة طالت العشرات من الاقتصادات النامية، ما يتناقض بشكل صارخ مع الاتجاه السابق بين عام 2011 وعام 2017، حيث كان معظم البالغين الذين فتحوا حسابات مصرفية يعيشون في بلدين فقط، وهما الصين والهند.
يتضمن المؤشر العالمي للشمول المالي للعام 2021 مجموعة عميقة من المعطيات حول نسبة فتح الحسابات العالمية واستخدامها ونسبة القدرة المالية. وثمة اتجاهان في البيانات يجب دراستهما بشكل خاص نظرًا إلى الأثر الناتج عنهما والفرص التي يشيران إليها، وهما نمو المدفوعات الرقمية في سياق جائحة كوفيد-19 والعلاقة بين اعتماد الدفعات الرقمية واستخدام خدمات مالية أخرى.
يُظهر المؤشر العالمي للشمول المالي للعام 2021 الاعتماد المتسارع للدفعات الرقمية في سياق جائحة كوفيد-19
في غضون أشهر من إعلان منظمة الصحة العالمية عن انتشار جائحة عالمية، بدأت الشركات الرائدة والمؤسسات المتعددة الأطراف في توثيق الطرق التي سرّعت بها القيود التي فرضتها الجائحة من وتيرة الرقمنة التي بدأت في أواخر التسعينات. وفي شهر مايو 2020، أعلنت شركة ماكينزي العالمية للاستشارات الإدارية أن "التعافي من جائحة كوفيد-19 سيكون من خلال السبل الرقمية". وربما من الأصح القول إن الجائحة بحد ذاتها كانت رقمية، حيث ارتفعت نسبة استخدام الانترنت والأجهزة المحمولة بشكل متواز مع نسبة ارتفاع الإصابات.
و
وقد دفعت فترات الإغلاق المطوّلة بسبب الجائحة الملايين من الرجال والنساء إلى تغيير كيفية دفعهم ثمن البقالة أو دفع فاتورة خدمات عامة حيث ابتعدوا عن الدفع النقدي شخصيًا الذي لم يعد آمنًا خلال الجائحة وبدؤوا يعتمدون الدفع الرقمي مباشرة من الحساب (سواء كانت عملية تحويل مباشرة أو باستخدام بطاقة ائتمان أو بطاقة خصم أو الدفع باستخدام حساب للخدمات النقدية على الأجهزة المحمولة).يتجلى التسارع الرقمي أيضًا في بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي بشأن استخدام المدفوعات الرقمية من قبل البالغين في البلدان النامية للمرة الأولى.
على سبيل المثال، بلغت نسبة البالغين في الاقتصادات النامية الذين يسدّدون فواتير الخدمات العامة مباشرة من الحساب 18% في عام 2021 (الشكل 2.1.12)، ولكن أكثر من ثلثهم اعتمدوا طريقة الدفع هذه للمرة الأولى بعد بداية جائحة كوفيد-19. كذلك، شهدت الاقتصادات النامية زيادة في استخدام المدفوعات الرقمية. وباستثناء الصين (حيث تؤدي نسبة الاعتماد العالية والاستخدام الكبير لتطبيقات الدفع عبر الأجهزة المحمولة مثل Alipay وWeChat Pay من قبل أكثر من 80% من البالغين إلى متوسط مضلّل)، بلغت نسبة البالغين في الاقتصادات النامية الذين يعتمدون وسائل الدفع الرقمي 20% وبدأ 40% منهم (أو 8% من البالغين) بالتسوّق والدفع بشكل رقمي للمرة الأولى بعد بداية الجائحة.
تتسارع جهود الرقمنة بشكل مختلف بحسب المناطق وحتى البلدان. ففي بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، تعد الحسابات المالية على الأجهزة المحمولة من الخدمات المالية الرقمية الأكثر رائجة ويستخدمها 33% من البالغين لإرسال الدفعات. وفي أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي التي شهدت انتشارًا للمدفوعات الرقمية بشكل خاص أثناء جائحة كوفيد-19، اعتمد حاملو الحسابات بشكل عام أساليب دفع مختلفة تراوحت بين بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم والدفع عبر شبكة الإنترنت أو الهواتف المحمولة.
المدفوعات الرقمية تمهّد الطريق أمام استخدام الخدمات المالية على نطاق أوسع
، والذي بدوره قد يفتح المجال أمام فرص إقتصادية إضافية. وتشمل هذه الفرص تسخير الأنشطة المدرّة للدخل، والدخول إلى أسواق جديدة، والالتحاق بالمنصات، أو بكل بساطة إتاحة المعلومات المهمة (مثلاً، معلومات عن تقلبات أسعار السوق) التي قد تفيدهم في أنشطتهم الزراعية أو أعمالهم.
يشير المؤشر العالمي للشمول المالي للعام 2021 إلى أنّ ما يقرب من ثلثي البالغين في الاقتصادات النامية الذين تلقوا مدفوعات رقمية استخدموا أيضًا حسابهم لتخزين المال لإدارة النقد، واستخدم نحو 40% من البالغين حسابهم للادخار، واستخدم 40% منهم حسابهم للاقتراض. ورغم أنّ البيانات لا يمكنها اثبات علاقة سببية، إلا أنّ هذه النتائج تشير إلى أنّ التدفقات الرقمية يمكن أن تمهّد الطريق لاستخدام الخدمات المالية على نطاق أوسع. ونحن نشهد هذا بشكل خاص في البلدان التي تتيح اللوائح التنظيمية فيها قدرًا أكبر من التشغيل المتبادل بين المصارف ومزوّدي الخدمات النقدية عبر الأجهزة المحمولة أو حيث تتيح اللوائح لمزوّدي الخدمات النقدية عبر الأجهزة المحمولة تقديم خدمات إضافية بشكل مسؤول. وهذه التطوّرات مرحّب بها لأن الوصول إلى حساب المعاملات يشكّل بداية مهمّة ولكنه لا يكفي لتمكين الفقراء بشكل كامل من تلبية احتياجاتهم المالية والاجتماعية اليومية، ما يتطلب أيضًا إتاحة الخدمات المالية مثل المدخرات، والائتمان، والتأمين.
إن إمكانية الوصول المتزايدة إلى حسابات الخدمات المالية عبر الأجهزة المحمولة واستخدام المدفوعات الرقمية أثناء انتشار الجائحة يمكنها أيضًا تعزيز الوصول إلى الإقتصاد الرقمي، والذي بدوره قد يفتح المجال أمام فرص إقتصادية إضافية.
تشير الاتجاهات في المدفوعات الرقمية إلى فرص لزيادة الشمول المالي
على الرغم من الاعتماد المتزايد للمدفوعات الرقمية خلال الجائحة، فإن مئات الملايين من البالغين لا يزالون يتلقون الأجور والتحويلات الحكومية ومبيعات السلع الزراعية من خلال مدفوعات نقدية. وتحويل مثل هذه المدفوعات النقدية إلى حسابات مالية أو حسابات نقدية عبر الأجهزة المحمولة يعد طريقة مثبتة لزيادة الشمول المالي بين الأفراد الذين لا يملكون حسابات مصرفية، حيث يبيّن المؤشر العالمي للشمول المالي أن 39% من البالغين في الاقتصادات النامية أو أكثر من نصف مالكي الحسابات لدى المؤسسات المالية (باستثناء الحسابات النقدية على الأجهزة المحمولة) فتحوا حسابهم الأول (باستثناء الحسابات النقدية على الأجهزة المحمولة) في مؤسسة مالية لقبض أجورهم أو تلقي مساعدة مالية طارئة من الحكومة.
. 1.6 مليار شخص بالغ يتعاملون مع المصارف في الاقتصادات النامية لا زالوا يختارون تسديد دفعات التسوّق نقدًا فقط.
كذلك، يجب بذل الجهود الرامية إلى الاستفادة من هذه الفرص بالتركيز على إزالة التباين بين تدني نسبة فتح الحسابات بين النساء، والفقراء، والشباب، والأفراد خارج قوى العمل، وبين ارتفاع نسبة فتحها بين الرجال، والأسر الأكثر ثراء، والبالغين الأكبر سنًا، والأفراد الذين يتلقون الأجور. وعلى نحو مماثل، تتخلف البلدان الهشة وذات الدخل المنخفض عن البلدان الأكثر استقرارًا وأعلى دخلاً.
إنّ معالجة هذه الفجوات في الشمول المالي سيولّد آثارًا إيجابية تتجلى في انخفاض نسبة الفقر، وفي زيادة نسبة الاستهلاك، وفي ارتفاع نسبة الإنفاق على التعليم والصحة وفرص توليد الدخل، كما سيساهم أيضًا في تعزيز قدرة الفقراء على الصمود ورفاههم المالي.
وبينما نستمر في تحليل بيانات المؤشر العالمي للشمول الرقمي، فإننا نشجّع أيضًا الآخرين في مجتمع الشمول المالي على تحديد الإجراءات الفعالة ذات الأولية وإدراك الحاجة إلى إقامة شراكات أقوى بين القطاعين العام والخاص. ولا بدّ بشكل خاص اليوم الاستفادة من الزخم القوي الذي برز في السنوات العديدة الماضية لتعظيم الفوائد التي يقدّمها الشمول المالي للفقراء، وفي الوقت نفسه مضاعفة جهودنا لضمان إتاحة الخدمات المالية إلى الفقراء واستخدامهم لها وتوفير الفوائد للأفراد الذين لا يتعاملون مع المصارف.