تسخير إمكانات التكنولوجيا المالية في العالم العربي: فرصة تقدر بالمليارات
لا يخفى على أحد تدني مستويات الشمول المالي في العالم العربي. فباستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، لا يملك ثلثا البالغين في العالم العربي حسابا بنكيا رسميا، وذلك وفقا لتحليل المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) لبيانات المؤشر العالمي للشمول المالي. ومن شأن تضييق الفجوة أن يفيد ملايين البشر من منخفضي الدخل والمشاريع الصغيرة، ويشير بحث جديد أجرته سيجاب إلى أن التكنولوجيا المالية في المنطقة قد تدر إيرادات بالمليارات بفضل خدمة هؤلاء العملاء المحرومين.
تزايد أعداد التكنولوجيات المالية في العالم العربي
ازدهرت حلول التكنولوجيا المالية في العالم العربي خلال السنوات القليلة الأخيرة. في نوفمبر/تشرين الثاني، رصدت سيجاب 400 حل تكنولوجي مالي في المنطقة. وفي حين يأتي 44 بالمئة من هذه الحلول في شكل منتجات دفع، نصفها يوفر مخزونا من القيمة، فإن التكنولوجيا المالية تتيح للعديد من البلدان فرصا جديدة لتوسيع نطاق الشمول المالي. وأغلب حلول التكنولوجيا المالية التي حددناها لا تزال حديثة نسبيا، بيد أن نطاق وصولها وتأثيرها المتوقع سيتضح خلال العامين القادمين أثناء نموها وبدء التأثير الشبكي في الظهور.
تتركز الحلول المالية في بلدان تمكنت فيها التكنولوجيا المالية من النمو بفضل التغييرات القانونية والتنظيمية الأخيرة. وفي الحقيقة، يقع 75 بالمئة من الحلول التي حددناها في ستة بلدان، هي: الإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان.
على سبيل المثال، يسمح الأردن للجهات غير المصرفية المصدرة للأموال الإلكترونية بالعمل منذ عام 2010. وفي عامي 2015 و2016 على الترتيب، سن المغرب وتونس تشريعات بنكية فتحت أسواقهما لفئات جديدة من مقدمي هذه الخدمات. وذهب المغرب إلى حد السماح بفتح حسابات معاملات منخفضة القيمة لا تتطلب أكثر من رقم هاتف محمول محلي صحيح. وفي سعيه الحثيث لرقمنة اقتصاده، أصدر الأردن قانون المعاملات الإلكترونية عام 2015 وجعلت مصر الدفع غير النقدي إجباريا عام 2019. وأصدر العراق قانونا مماثلا عام 2014، ورخص مؤخرا لمقدمي خدمات الدفع. ومن المفترض جدلا أن تفضي هذه التغييرات إلى إحداث فارق في طريقة استخدام الناس للخدمات المالية الرسمية.
فرصة سوقية أمام التكنولوجيات المالية المحلية تقدر بالمليارات
تتسم 46 بالمئة من الحلول المالية التكنولوجية التي حددتها سيجاب بوجوب الشمول المالي. ولو أن مقدمي الخدمات المالية في البلدان الستة التي تمتلك أغلب التكنولوجيات المالية توسعوا في إتاحة الخدمات المالية لخمسين في المائة من هذه السوق غير المستغلة بعد هناك، فقد يمكنهم جني إيرادات تصل إلى سبعة مليارات دولار، وسيرتقون بالشمول المالي إلى مستويات قريبة من بلدان متوسطة الدخل، مثل بوليفيا وجنوب أفريقيا وأوغندة وأوكرانيا.
ما هو المطلوب لإطلاق العنان للتكنولوجيا المالية في العالم العربي؟ كشفت دراستنا عن ثلاثة عوامل رئيسية للنجاح:
- اللوائح التنظيمية الملائمة. أولا وقبل كل شيء، يتعين على واضعي السياسات المبادرة بدعم المنافسة والابتكار. فقد تم مؤخرا إنشاء مختبرات تنظيمية لتطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة ومراكز ابتكار في بلدان مثل البحرين ومصر والأردن وعمان والسعودية وتونس تعمل على تيسير السبل المؤدية إلى بناء خدمات مالية رقمية متطورة. وذهبت البحرين إلى أبعد من ذلك بالتكليف بوضع إطار مصرفي مفتوح. ولا يزال هناك الكثير مما يتعيّن القيام به. فقد يستغرق الأمر سنوات عديدة واستثمارات بملايين الدولارات لتوسيع نطاق تفعيل التكنولوجيا المالية، ومن ثم فإن استقرار البيئة التنظيمية سيكون عنصرا أساسيا لدعم الاستثمار. والعديد من الأسواق التي تتسم بديناميكية حيز التكنولوجيا المالية هي أسواق صغيرة نسبيا، مما يؤدي إلى اتساع الحلول الناجحة إقليميا، وإسناد دور رئيسي لواضعي السياسات لتسهيل نقل الابتكار عبر الحدود. وأخيرا، ثمة حاجة للمعلومات الشفافة والموثوقة المتعلقة بسبل الحصول على الخدمات المالية واستخدامها لتكون قاعدة للمزيد من السياسات الداعمة للمنافسة.
- الاستثمارات المستدامة. مازال هناك حاجة إلى الاستثمارات في المراحل الأولى للمشاريع لتحميس الجيل القادم من المبتكرين. وثمة حاجة أيضا إلى الاستثمار بعد المرحلة الأولى من التمويل، عندما تكون الحلول المالية التكنولوجية قد نضجت، وإن لم تكن قد غطت تكاليفها، لكنها مازالت تحتاج إلى مبالغ أكبر من التمويل المستدام.
- التعليم والتدريب. هناك حاجة أيضا إلى برامج تعليم عالية الجودة لصقل المواهب الجديدة وتحسين الأهلية للتوظيف من خلال توفير المهارات العملية في موقع العمل، فضلا عن التدريب النظري.
ويمكن للعالم العربي الاعتماد على فئاته الشبابية التي تتمتع بمهارات رقمية تضاهي المتوسط العالمي، حسب تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وتسرع جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) من وتيرة تبني الشباب للدفع الرقمي. وأمام البلدان العربية الفرصة الآن لتشجيع التكنولوجيات المالية المصممة محليا لحل المشاكل الخاصة بها والتي تواجهها شرائحها السكانية المحرومة من الخدمات المالية كليا أو جزئيا.
والفشل يعني إفساح المجال أمام الآخرين كي يحصدوا ثمار الرقمنة. والأسوأ، هو الانتظار حتى يقوم جيل آخر بذلك.