8 دروس عملية لإنجاح التمويل الرقمي للمرأة في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا
لا تزال منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا لديها أكبر فجوة بين الجنسين في العالم من حيث المشاركة الاقتصادية للمرأة ؛ وذلك بالرغم من التقدم الذي تم إحرازه خلال السنوات القليلة الماضية. وتظهر هذه التفرقة الاقتصادية أيضا عندما يتعلق الأمر بالشمول المالي حيث 35% من النساء لديهن حساب مالي بالمنطقة مقارنة مع 52% للرجال. إن هذه الفجوة لا تؤثر فقط على الاستقلال المالي للمرأة و قدرتها على إدارة مواردها المالية فحسب، بل تؤثر أيضا على فرص العمل الخاصة بها ونمو مشروعاتها.
وبالرغم من أن التحديات كبيرة وكذلك الفرص، تقوم الحكومات في جميع أنحاء المنطقة باعتماد إستراتيجيات للشمول المالي تهدف إلى تحسين إمكانية حصول المرأة على التمويل وعلى الخدمات المالية المرتبطة بذلك. وتتمتع الخدمات المالية الرقمية المبتكرة بإمكانية كبيرة لتسريع هذه العملية عن طريق تمكين النساء ذوات الدخل المنخفض من الوصول إلى الخدمات المالية عبر القنوات غير التقليدية. إلا أن ذلك ليس أمرا مسلّما به. لأنه يتطلب تطبيق نهج مدروس بعناية لضمان تطوّر النظم الناشئة للبيئة الأساسية للتمويل الرقمي بالمنطقة ؛ بحيث تشمل المرأة بدلا من إهمالها.
إن صندوق مشاريع المرأة العربية (AWEF) أصدر مؤخرا الموجز التعليمي للممارسين ؛ والذي قام الصندوق من خلاله باستكشاف هذه التحديات والفرص عن طريق عرض 14 دراسة حالة وتقديم عدد من الدروس عن كيفية تصميم وتنفيذ المداخلات التي يمكن أن تمهد الطريق نحو تمكين المرأة من استخدام الخدمات المالية الرقمية في جميع أنحاء المنطقة وعلى نطاق أوسع من ذلك. وتعتمد هذه الدروس بشكل مباشر على تجارب الصندوق في العمل مع مقدمي الخدمات المالية الرقمية في كل من الأردن و مصر. ويهدف الموجز إلى تشجيع الآخرين على تجربة الأساليب المبتكرة وتوسيع نطاقها لإنجاح التمويل الرقمي بشكل أفضل من أجل تمكين المرأة.
الدرس الأول: البدء ببناء فهم شامل لإحتياجات و تفضيلات المرأة كمستخدمة للخدمات المالية الرقمية
إن الخدمات المالية الرقمية لكي تكون شاملة حقا، يجب أولا أن يتم تصميمها بحيث تكون المرأة في محورها. ويتطلب القيام بذلك نهجا متعدد الأوجه يستند إلى فهم جيد لتطلعات المرأة وعاداتها اليومية والتحدّيات الحياتية التي تواجهها، بالإضافة إلى احتياجاتها وسلوكياتها المالية وغير المالية تجاه استخدام التكنولوجيا. ويجب أن يتم بناء النهج على فهم الأدوار المتعددة للمرأة (كشخص وكأم وكرائدة أعمال وكزوجة وغير ذلك)، وكذلك فهم الأطراف الفاعلة التي تؤثر عليها (الزوج والأبناء والآباء والقادة الدينيين أو قادة المجتمع وما شابه ذلك)، وبشكل خاص في المجتمعات ذات الأعراف الراسخة والمتعلقة بالتمييز بين الجنسين. وقد قام صندوق مشاريع المرأة العربية بإجراء تقييم للسوق نتج عنه تحديد العوامل التي تحدّ من الشمول المالي وتحديد الأطراف الفاعلة في مجال الخدمات المالية الرقمية والتي لديها إمكانية تغيير طريقة عمل النظم المالية الرقمية التي تعمل من أجل المرأة.
الدرس الثاني: إتاحة الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية عن طريق بناء شبكات توزيع شاملة
إن الوكلاء يمثلون بشكل عام منافذ الاتصال الأساسية والأكثر ظهورا لمعظم عملاء الخدمات المالية الرقمية. لأنهم يقومون بتسويق وبيع المنتجات وتقديم الدعم والتوجيه حول كيفية استخدام المنتجات والخدمات. إلا أن معظم وكلاء الدفع الإلكتروني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هم من الرجال، وتقوم النساء في بعض الأحيان بالتعبير عن الشعور بعدم الارتياح في التعامل معهم بسبب الأعراف السائدة فيما يتعلق بتعامل الذكور مع الإناث خارج المنزل. ولذلك ، فقد عمل صندوق مشاريع المرأة العربية مع شركتين من كبار مقدمي خدمات الدفع و هما شركة "فوري" في مصر و شركة "دينارك" في الأردن، وذلك لإطلاق أول شبكات للدفع الإلكتروني للوكلاء النساء في منطقة شمال أفريقيا و بلاد المشرق. وقد ساعد استخدام الوكلاء النساء في بناء الوعي والثقة في الخدمات المالية الرقمية ، وكان من شأن ذلك تمكين شركتي فوري ودينارك من الوصول إلى عملاء نساء جدد والاحتفاظ بهن.
الدرس الثالث: دمج الخدمات غير المالية في تقديم الخدمات المالية الرقمية
إن أحد الأسباب الأكثر شيوعا لعدم استخدام المرأة لخدمات التمويل الرقمي هو الافتقار إلى المعرفة والفهم حول كيفية عمل هذه الخدمات والمزايا التي يمكن الحصول عليها من خلالها استخدامها. إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص، لا تزال الخدمات المالية الرقمية فيها جديدة، كما أن الثقة في هذه الخدمات وافتقار الوعي بها ؛ يحدّ من إقبال المرأة عليها. لذلك فإن دمج التدريب على التثقيف الرقمي داخل حلول الخدمات المالية الرقمية من شأنه إيجاد فرص أكبر للنجاح. وقد قام صندوق مشاريع المرأة العربية بالعمل مع شركة تساهيل في مصر، أحد المؤسسات الرائدة للتمويل الأصغر؛ وذلك من أجل تقديم دورات تدريبية على التثقيف الرقمي للمشروعات متناهية الصغر التي تمتلكها المرأة. كما قام البنك التجاري اللبناني في لبنان، بالعمل مع برنامج الخدمات المصرفية للنساء التابع لمؤسسة التمويل الدولية على تقديم الخدمات غير المالية بشكل رقمي (تدريب أو معلومات أو شبكات تواصل أو خدمات توجيهية)، وذلك باستخدام منصّة WE الخاصة بالبنك.
الدرس الرابع: البناء على ما تثق فيه المرأة و القيام بالتحوّل الرقمي لنماذج التمويل التقليدية من أجل توسيع نطاق الأثر
على الرغم من أن مجموعات الادخار أقل انتشارا في منطقة شمال أفريقيا وبلاد المشرق عنها في بلاد أفريقيا جنوب الصحراء، إلا أن نسبة عدد البالغين في المنطقة الذين يستخدمون نوادي المدخرات غير الرسمية قد تزايد. وتقوم شركات التكنولوجيا المالية في المنطقة مثل منصّة "سيوا" بالمغرب؛ بالابتكار من أجل رقمنة سجلات مجموعات الادخار وزيادة الأمن والشفافية ولتحقيق المزيد من المرونة وتقليل الوقت المصروف في الاجتماعات، وكذلك تزويد الأعضاء بتاريخ ائتماني يساعدهم في الحصول على الخدمات المالية الرسمية. ويوجد مجال كبير لتوسيع نطاق استخدام منتجات الادخار الرقمية في جميع انحاء المنطقة، وكذلك لبناء الثقة والوعي.
الدرس الخامس: التشجيع على تطوير بيئة أساسية قوية للخدمات المالية الرقمية لتقديم منتجات و خدمات ترغبها و تحتاجها المرأة
يجب على مقدمي الخدمات المالية الرقمية جعل هذه الخدمات أكثر جذبا للمرأة عن طريق تجاوز تقديم المعاملات الأساسية مثل شحن الهواتف، وتقديم منتجات وخدمات من شأنها تحسين المعيشة وإضافة قيمة للحياة اليومية للمرأة. وتحتاج المرأة إلى أن تكون قادرة على شحن حساباتها الرقمية وتحويل الأموال مرة أخرى إلى نقدية عندما تحتاج لذلك. كما أن المرأة تحتاج إلى منتجات تساعدها على إجراء المدفوعات والتشجيع على الادخار والوصول إلى مزايا الرعاية الاجتماعية أو الأجور. إن استخدام الخدمات المالية الرقمية في الحصول على الرواتب أو المدفوعات الاجتماعية ؛ من الممكن أن يكون وسيلة فعّالة لتقديم الخدمات المالية الرقمية لمستخدمين جدد ، كما اتضح ذلك في دراسات الحالة التي تم عرضها في الموجز والخاصة ببرنامج "نفقة" و برنامج "HerFinance" التابع لمنظمة BSR.
الدرس السادس: توسيع نطاق الوصول إلى الهويّات الرقمية العالمية من أجل مساعدة المرأة ذات الدخل المنخفض على بناء تاريخها الائتماني عبر الحدود
إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستضيف حاليا 35 مليون من العمال المهاجرين منهم 31% من النساء ، كما أنها تستضيف أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم . ومن الناحية التاريخية، فقد واجهت المؤسسات المالية في الماضي صعوبة في خدمة هؤلاء السكان المتنقلين بسبب عدم توافر الهويّة والسجلات المالية. و ذلك فإن حلول بناء الهويّات الرقمية لديها إمكانية سدّ هذه الفجوة ؛ مثل منصّة "هويّتي" التي قامت بتطويرها منظمة Making Cents International . كما أن هذه الحلول تقوم بتزويد النساء المهاجرات بمنفذ دخول من أجل بناء تاريخهن الائتماني، مما يسهل عليهن الحصول على القروض الشخصية أو قروض المشروعات.
الدرس السابع: الاستفادة من التجارة الإلكترونية و إقبال المستهلكات النساء على وسائل التواصل الاجتماعي
إن الانتشار العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي بجانب النمو السريع للتجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان من شأنهما ظهور نماذج جديدة حيث تتلاقى كل من المشاركة بالمحتوى مع التفاعلات ومع المدفوعات الإلكترونية. و قد قام صندوق مشاريع المرأة العربية بالشراكة مع شركة Paymob، وهي شركة رائدة للتكنولوجيا المالية في مصر؛ بتنفيذ حملة تسويقية تحت هاشتاج #AcceptTheChange أو اصنعي التغيير باستخدام "فيسبوك" و "إنستجرام". وقد أصبح الآن بإمكان رائدات الأعمال النساء أن يتلقين المدفوعات أثناء قيامهن بتسويق منتجاتهن من خلال هذه الأسواق الرقمية الجديدة.
الدرس الثامن: الاستثمار في تحليل البيانات المصنّفة حسب نوع الجنس من أجل متابعة مدى التقدم المحرز و بناء الخدمات المالية الرقمية للمرأة
إنه من المستبعد بدون توافر بيانات مصنّفة حسب نوع الجنس، أن يقوم مقدمو الخدمات المالية الرقمية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ بالاستغلال الكامل للإمكانيات التجارية الكامنة التي تنتج عن التوسع في تقديم الخدمات للمرأة. ويتزامن ذلك مع عدم توافر بيانات كافية لدى الجهات الحكومية من أجل تقييم مدى فعالية إستراتيجياتها الخاصة بالشمول المالي. إن البيانات المصنّفة حسب نوع الجنس من شأنها تمكين كل من الحكومات والقطاع الخاص للقيام بتطوير نظم البيئة الأساسية للخدمات المالية الرقمية الشاملة بشكل أكثر وعيا. كما توجد بعض التطوّرات المشجّعة، حيث تقوم الجهات التنظيمية مثل بنك المغرب بالتحرّك نحو معالجة هذه الفجوة للبيانات عن طريق إلزام شركات الدفع بإصدار تقارير حسب نوع الجنس.
إن هذه الدروس تشير إلى العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها بسهولة من قبل الحكومات والقطاع الخاص في المنطقة، وذلك من أجل التحفيز على تطوير نظم البيئة الأساسية للخدمات المالية الرقمية الشاملة التي تتوافق مع احتياجات المرأة، والتي تتيح للمرأة الاستفادة من الاقتصاد الرقمي والمساهمة فيه.