التكنولوجيا المالية للمرأة وتوسيع نطاق الشمول المالي في مصر
تساهم التكنولوجيا المالية في إتاحة الخدمات المالية على نطاق أوسع مع خفض التكاليف والحواجز التي تحول دون الحصول على التمويل وذلك من شأنه تسهيل وصول الخدمات المالية إلى جميع الناس. هل بإمكان التكنولوجيا المالية توسيع نطاق الشمول المالي لحوالي 23.2 مليون امرأة مصرية ما زالت مستبعدة من النظام المالي الرسمي في مصر؟
قامت وزارة التنمية الدولية البريطانية (DFID) بتمويل "صندوق مشاريع المرأة العربية AWEF" للقيام بدراسة لفهم مدى نطاق الخدمات المالية الرقمية في مصر، وتحديد المعوقات الرئيسية وأيضا الفرص أمام الشمول المالي للمرأة؛ وذلك من أجل تنمية سبل معيشة النساء المصريات ذوات الدخل المنخفض من خلال تحسين إمكانية الحصول على التمويل. وتقوم هذه المدونة بتسليط الضوء على النتائح الرئيسية لهذه الدراسة من خلال أربعة محاور: 1) الوضع الحالي لتمويل المرأة في مصر ، 2) تحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين في البيئة الأساسية للشمول المالي للمرأة ، 3) تحديد المعوقات الرئيسية أمام إمكانية حصول المرأة على الموارد المالية والتحكم فيها ، وأخيرا و ليس آخرا 4) عرض إستراتيجية صندوق مشاريع المرأة العربية من أجل تعزيز الخدمات المالية لذوات الدخل المحدود من النساء في مصر.
الوضع الحالي: الاستبعاد المالي والاقتصادي للمرأة في مصر
إن إمكانية الوصول إلى الموارد المالية من الشروط الأساسية للتمكين الاقتصادي للمرأة. ويعتبر التمكين المالي والاقتصادي للمرأة في مصر من الأولويات الوطنية ؛ وعلى الرغم من تزايد الشمول المالي للمرأة إلا أنها لا تزال مستبعدة بشكل غير متناسب من النظام المالي الرسمي. فيوجد فقط 27% من عدد النساء البالغات لديهن حساب مالي (بالمقارنة مع 39% من الرجال)، مما يمثل فجوة بين الجنسين بمقدار 12% والتي لم تزد على مدار الأعوام الثلاثة الماضية فحسب؛ بل بقيت أعلى بكثير من المتوسط العالمي للأسواق النامية. ومع وضع ذلك في الحسبان ؛ فإن مصر لديها الآن حوالي 23.2 مليون امرأة بالغة لا تقوم البنوك بخدمتهن على الإطلاق أو تقوم بخدمتهن بشكل غير كافي.
فهم السوق: قطاع مالي تهيمن عليه مؤسسات التمويل الأصغر بشكل كبير، مع مشهد متنامي للتكنولوجيا المالية
إن التمويل الأصغر أو متناهي الصغر يعتبر حاليا القطاع المالي الفرعي الأكثر فاعلية والذي يقوم بخدمة الأشخاص الذين لا يتم خدمتهم بشكل كاف أو لا يتم خدمتهم على الإطلاق بواسطة البنوك في مصر، وبشكل خاص النساء. و قد بلغ عدد المستفيدين من التمويل الأصغر 2,9 مليون شخص منهم 70% من النساء، و ذلك في الربع الثاني من عام 2018. إلا أنه مع تزايد عدد النساء اللاتي يمتلكن الهواتف المحمولة ؛ فإن التمويل الرقمي يقوم الآن بعرض فرص واعدة من أجل زيادة إمكانية حصول المرأة على الموارد المالية – سواء على مستوى المشروعات متناهية الصغر أو على مستوى الأسرة. ويوجد في مصر الآن حوالي ما بين 9 و10 مليون محفظة للهواتف المحمولة، وهي نوع من أدوات الدفع يتم من خلالها قيام الأفراد والمشروعات باستلام وإرسال الأموال عبر الأجهزة المحمولة. ويمكن لهذه الحلول المبتكرة أن تكون بمثابة نقطة دخول إلى الخدمات المالية للنساء اللائي لا تخدمها البنوك ؛ وذلك عن طريق السماح لهن بدفع الفواتير الخاصة بهن أو الدفع للموردين ، أوتحصيل دفعات السداد من العملاء ، أو إرسال الأموال إلى أحبائهن، أو الاحتفاظ ببعض المدخرات في مكان آمن ، أو حتى استلام التحويلات النقدية الخاصة بالبرامج الاجتماعية بطريقة أرخص وأسهل وأكثر أمانا.
ويعتبر البرنامج الاجتماعي "نفقة" مثالا على هذه البرامج الاجتماعية ؛ وهو أول برنامج رقمي بين الحكومة والأشخاص في مصر. ويهدف هذا الحلّ الرقمي لتحويل الأموال الاجتماعية إلى تسهيل صرف المستحقات (التي كانت تصرف نقدا في السابق) إلى حوالي 390 ألف أرملة أو مطلقة مصرية. وقد قام بنك ناصر الاجتماعي بإطلاق هذه الخدمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 بالشراكة مع مشغلي الهواتف المحمولة الأربعة. وقد تم بعد خمسة أشهر من إطلاق البرنامج؛ تسجيل أكثر من 11,783 امرأة.
إن النساء المقترضات من التمويل الأصغر سوف يصبحن قريبا قادرات على سداد أقساط القروض الخاصة بهن عن طريق نقرة واحدة من هاتفهن المحمول مما يوفر لهن ساعات طويلة من الانتقال والوقوف في طوابير بفروع المؤسسات، بالإضافة إلى توفير الإيرادات الضائعة المرتبطة بإغلاق المشروعات متناهية الصغر الخاصة بهن لبضعة ساعات. ولهذه الأسباب؛ يقوم صندوق مشاريع المرأة العربية بالشراكة مع كبرى شركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية بالتشجيع على الشمول المالي الرقمي للمرأة في مصر؛ و ذلك من خلال ضمان العمل على معالجة القيود المنهجية التي تحول دون وصول واستخدام المرأة للتمويل الرقمي، وبالتالي تمكين المزيد من النساء من الاستفادة من المنافع الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بهذه الخدمات المبتكرة.
التعرف على القيود المنهجية التي تحول دون وصول واستخدام المرأة للخدمات المالية
قام صندوق مشاريع المرأة العربية في شهر يونيو/حزيران 2018؛ بإجراء تقييم لسوق قطاع الشمول المالي للمرأة في مصر، و قد استخدم الصندوق منهجا مزدوجا للبحث عن طريق: 1) جمع وتحليل البيانات الأولية عن طريق أكثر من 30 مقابلة شخصية مع أصحاب المصلحة المعنيين، و2) استخدام البحث الثانوي لتوحيد البيانات المتوفرة مثل قاعدة بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي "فيندكس". وقد ساهمت هذه الدراسة الشاملة في الحصول على معلومات لإستراتيجية الشمول المالي الخاصة بالصندوق؛ وتمت المشاركة بهذه المعلومات على نطاق واسع في القطاع المالي المصري. و قد أوضحت الدراسة ثلاثة أنواع من المعوقات المتعلقة بجوانب الطلب، والعرض، والبيئة العامة. وبالرغم من أن هذه المعوقات لا تخص المرأة فقط ؛ إلا أن المرأة واجهتها بطريقة أكثر حدّة ؛ وفقا للشكل التوضيحي أدناه.
تنمية الفرص المتاحة: إستراتيجية صندوق مشاريع المرأة العربية لمساعدة المرأة المصرية في توسيع نطاق الشمول المالي
في محاولة للقضاء على هذه الأنواع الثلاثة من المعوقات مع الاستفادة من النمو السريع للنظام البيئي للتمويل الرقمي؛ قام صندوق مشاريع المرأة العربية بإعداد إستراتيجية عمل على ثلاث مستويات من أجل مساعدة المرأة محدودة الدخل على توسيع نطاق الشمول المالي في مصر كما يلي:
1. على مستوى المستفيد النهائي: يقوم الصندوق بالعمل على زيادة الوعي والفهم والثقة بالخدمات المالية الرقمية فيما بين النساء الفقيرات، كأفراد و/أو كرائدات للأعمال. وعلى سيبل المثال، قام الصندوق بتسهيل إطلاق أول منصة للتعلم الإلكتروني باللغة العربية والتي تستهدف أكثر من 3,500 من النساء ذوات الدخل المنخفض والتي تمتلك مشروعات متناهية الصغر في مصر، وذلك بالشراكة مع فودافون مصر وشركة تساهيل للتمويل الأصغر.
2. على المستوى المؤسسي: يقوم الصندوق بالعمل مع مؤسسات التكنولوجيا المالية من أجل تعزيز التزويد بالخدمات المالية الرقمية، عن طريق دعمها في إعداد إستراتيجيات تهتم بالمرأة ومنتجات مصممة خصيصا لها وقنوات تسويق أو توزيع تلبي الاحتياجات الخاصة بالمرأة. وقد أطلق الصندوق مؤخرا أول شبكة وكلاء نسائية في مصر "هي فوري" بالشراكة مع شركة فوري، الشبكة الرائدة في الدفع الإلكتروني.
3. على مستوى البيئة التمكينية: يعمل الصندوق مستندا على الأدلة من الأنشطة والأبحاث التي يقوم بها بتوليد ونشر الأفكار المتعلقة بالتحديات والفرص الرئيسية والنماذج المبتكرة من أجل سد الفجوات المالية والرقمية بين الجنسين في مصر.
وعند وضع إستراتيجية الشمول المالي الخاصة بالصندوق ؛ فإننا نتطلع إلى المشاركة بالمزيد من خبرتنا المتعلقة بتجربة نماذج الأعمال المبتكرة من أجل تسريع الشمول المالي الرقمي للمرأة في مصر ومنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بصفة عامة. إن دراسة أبعاد الشمول المالي الرقمي والمرأة بالمنطقة ليست كافية بالمقارنة مع المناطق الأخرى؛ لذلك يقوم الصندوق بتوثيق تجربته من خلال منهجية للتعلم ومشاركة المعرفة من أجل سد هذه الفجوات البحثية وفهم مدى قدرة الخدمات المالية الرقمية على المساهمة في تمكين المرأة في مصر والمنطقة. إن الفجوة العالمية بين الجنسين من حيث إمكانية الحصول على التمويل لن تغلق من تلقاء نفسها. إلا أنه عن طريق تحديد المشاكل المنهجية والحلول الناجحة من أجل الشمول المالي للمرآة بطريقة تعاونية و شاملة؛ يمكننا أن نضاعف فرصنا للتأثير الإيجابي على عدد أكبر من النساء، وكذلك على أسرهن ومجتمعاتهن.
____________________________
صندوق مشاريع المرأة العربية عبارة عن برنامج إقليمي ممول من وزارة التنمية الدولية البريطانية (DFID) والبنك الإسلامي للتنمية على مدار خمس سنوات من 2015-2020 لتحسين إمكانية المرأة الفقيرة في الحصول على التمويل والوصول إلى الأسواق في المنطقة العربية. ويشمل البرنامج تقديم الدعم الفني والمالي من أجل تعزيز نمو أو البدء في المشروعات و/أو تطوير منتجات جديدة مصممة للنساء. كما يقوم البرنامج أيضا بتحليل السوق وإعداد الإستراتيجيات والسبل الأخرى لدعم الأطراف الفاعلة.
يتم تنفيذ برنامج صندوق مشاريع المرأة العربية بواسطة ثلاث منظمات هي: شركة بدائل التنمية العالمية DAI وهي مسؤولة عن قيادة وإدارة البرنامج والنتائج والضوابط المالية؛ ومؤسسة MarketShare Associates وهي مؤسسة متخصصة في برمجة نظم السوق ومراقبتها وتقييمها؛ وشبكة التعليم من أجل التوظيف Education for Employment وهي عبارة عن شبكة من المنظمات غير الحكومية التي تعمل على ربط التعليم بريادة الأعمال والتوظيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كلوي جيجين، أخصائية في التمويل الرقمي والتمكين الاقتصادي للمرأة وتعمل كمحللة رئيسية للسوق مع صندوق مشاريع المرأة العربية وتشارك في قيادة برنامج الصندوق للشمول المالي في مصر. كما تعمل كمستشارة غير متفرغة مع برنامج الخدمات المصرفية للنساء التابع لمؤسسة التمويل الدولية وتقدم من خلاله المشورة للمؤسسات المالية من أجل تلبية احتياجات أسواق المرأة بشكل أفضل في كل من المغرب وتونس. كلوي حاصلة على شهادتي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة لافال الكندية ومن كلية تولوز للأعمال في فرنسا.