تطوير منتج التمويل الفردي من لبنان إلى مصر
كانت البداية في منتصف التسعينات، عندما زرعت هيئة إنقاذ الطفولة الدولية النواة الأولى لمؤسسات التمويل الأصغر في المنطقة العربية من خلال برنامج للإقراض الجماعي للنساء بالشراكة مع منظمات غير حكومية محلية. في مصر، نشأت التضامن في عام 1996 بالتعاون مع الجمعية النسائية لتحسين الصحة بالقاهرة، وفي لبنان، نشأ نفس البرنامج في عام 1994 ليتحول إلى الجمعية اللبنانية للتنمية (المجموعة) بحلول 1997.
من برنامج إقراض إلى مؤسسة تمويل أصغر
أخذت المؤسستان في النمو والإزدهار على مر السنوات. أصبحت المجموعة مؤسسة التمويل الأصغر الرائدة في لبنان؛ فهي تقدم خدمات مالية وغير مالية لذوي الدخل المحدود لا سيما النساء لمساعدتهن على بناء أعمال مستدامة. وتوسعت خدمات المجموعة من القرض الجماعي لتقديم خدمات مالية متنوعة كالقروض الصغيرة والمتوسطة للأعمال، وقرض تحسين السكن، وقرض التعليم والصحة، ومنتج الشباب، وقرض اللاجئين والقرض الشخصي. كما تقوم المجموعة بتوفير خدمات غير مالية للمقترضين وغير المقترضين بالتعاون مع المنظمات الشريكة بما في ذلك التثقيف المالي، والتدريب المهني، والإحلال الوظيفي، وخدمات تطوير وريادة الأعمال، والتسويق، والتوجيه والتشبيك والتواصل، والاستشارات القانونية بالإضافة إلى الخدمات الإستشارية والدعم الفني للمؤسسات الأخرى في المنطقة العربية.
أصبحت مؤسسة التضامن أيضا من مؤسسات التمويل الأصغر الرائدة في مصر التي تركز على السيدات صاحبات المشروعات متناهية الصغر. وبنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2010، كان لدى المؤسسة 23 فرعًا في أحياء القاهرة الكبرى تقوم بخدمة أكثر من 100 ألف عميلة نشطة عن طريق تقديم منتج مالي واحد بمنهجية الإقراض الجماعي المتدرج.
الخروج من الأزمة يتطلب التغيير والتعلم
في أعقاب ثورة يناير 2011 وما صاحبها من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي، تضررت قطاعات كثيرة ومن ضمنها قطاع التمويل متناهي الصغر، وفقدت مؤسسة التضامن حوالي 65% من محفظتها النشطة وارتفعت نسبة المحفظة في خطر إلي حوالي 7%.
قررت مؤسسة التضامن استغلال هذه الأزمة للتعلم والتغيير واستعانت بأعين خارجية متخصصة بدعم كل من صندوق سند ومؤسسة التمويل الدولية من أجل تحليل وتقييم الوضع الحالي وتطوير خطة للنمو. وقررت المؤسسة التركيز داخليا على تطوير الموارد البشرية وخارجيا على احتياجات السوق وعميلات المؤسسة. وفي 2015، قامت التضامن بدراسة الإحتياجات الفعلية للشرائح المستهدفة في السوق المصرية. وقد أظهرت الدراسة أن هناك إحتياج شديد لتطوير منهجية إقراض أخرى لتغطية جميع الإحتياجات المالية للسيدات صاحبات المشروعات متناهية الصغر. وفي إطار الدعم الذي تقدمه مؤسسة التمويل الدولية لمؤسسة التضامن، تم طرح مناقصة أمام الشركات الإستشارية ومؤسسات التمويل الأصغر لإختيار الجهة الملائمة لمساعدة التضامن على تطوير منتج مالي لإستهداف شرائح أخرى من السوق بمنهجية الإقراض الفردي.
مَن أفضل من مؤسسة مرت بنفس المراحل لمساعدة التضامن على تطوير منهجيتها الجديدة للإقراض؟
بالفعل وقع الاختيار على المجموعة للقيام بهذه المهمة حيث أنها لَبَت المعايير الفنية والمالية لطلب المقترحات بالإضافة إلى التميز عن غيرها بالعوامل المؤسساتية المتشابهة مثل التطور التاريخي وتركيبة فريق العمل والهيكلية المؤسساتية والانتقال من التمويل الجماعي إلى الفردي وبالتالي مواجهة صعوبات ومسارات مماثلة للتضامن. كما أن المجموعة لديها الخبرة في تقديم الدعم الفني لمؤسسات عديدة في المنطقة.
نقل الخبرات يتطلب وقتا ومجهودا ومنهجية عمل واضحة
ارتكز مشروع الدعم الفني بين التضامن والمجموعة على ثلاثة محاور رئيسية:
- تطوير المنتج: تحديد خصائص قرض التمويل الفردي، وتطوير الإجراءات والمخاطر المتوقعة في كل مرحلة من مراحل القرض ودراسة الوسائل والأدوات للحد منها ومن ثم تحضير كافة المستندات المرافقة والضرورية لكل مرحلة بما في ذلك دليل السياسات والإجراءات.
- تدريب الفريق العامل على التمويل الفردي: تأهيل العاملين على تنفيذ التمويل الفردي ضمن القواعد والضوابط المحددة فنفذت لهذا الهدف تدريبات وتوبعت بمرافقات وتقطير ميداني خلال المرحلة التجريبية وأيضًا تم تدريب مدربين لكي يكونوا أداة الاستمرارية ضمن المؤسسة فيقوموا هم بتدريب الموظفين الجدد.
- بناء قدرات المدراء: تجهيز الكادر الإداري من مدراء المناطق ومدراء الفروع للتطور في العمليات الذي ستشهده المؤسسة ولمواكبة تطورات قطاع التمويل الأصغر.
تطلب تنفيذ هذه المهام، فريقا من الأخصائيين في كافة المجالات وقد تم تعيين العديد من المدراء في المجموعة على متابعة مهام محددة مرتبطة بنطاق تخصصهم فمثلًا ساعد مدير المعلوماتية على تقديم الإرشادات حول تطوير النظام المعلوماتي لمحاكاة متطلبات التمويل الفردي وإصدار التقارير ذات الصلة، ومدير التدقيق الميداني أعطى التوجيهات حول آلية التدقيق الواجب اعتمادها، ومدراء المناطق الذين قاموا بزيارات إلى مصر لمرافقة مدراء التضامن ومشاركتهم تجربتهم وكيفية إدارتهم للعمل.
أما الفريق الأساسي الذي قام بإدارة المشروع تألف من مديرة قسم بناء القدرات في المجموعة، ومدير العمليات، ومديرة تطوير البرامج التي عملت في مكاتب التضامن لمدة أربعة أشهر خلال مرحلة تطوير المنتج، والتدريب النظري والميداني. وكان هذا الفريق يقوم برحلات شهرية إلى مصر للقاء فريق التضامن وإتمام التدريبات؛ وكان العمل الذي لا يتطلب التواجد الشخصي في مصر يتم عبر التواصل الإلكتروني.
كما عمل فريق المجموعة في الفترة اللاحقة بالتعاون والتواصل المستمر مع فريق التضامن على تطوير كل الأدوات اللازمة لإطلاق التمويل الفردي وقد شمل ذلك العقد، واستمارة طلب التمويل، ودليل السياسات والإجراءات، والاستراتيجية التسويقية والمواد الدعائية لتسويق المنتج الجديد، وتقارير نظام المعلوماتية.
ومن ثم انتقل الدعم الفني إلى بناء قدرات الفريق عبر تدريب مجموعتين من 40 موظف في شهري فبراير وأبريل 2015. تضمّن التدريب مراحل التمويل وخصائص وشروط المنهجية الجديدة وما هي المستندات المطلوبة وكيفية تعبئتها وسياسة سداد الأقساط والتجديد وطريقة التقييم الإئتماني للعميلة ومشروعها وكيفية تحديد الجدارة الإئتمانية للعميلة. بالإضافة إلى الفريق الميداني، تم تدريب الفريق الإداري ليكون على اطلاع بكافة تفاصيل منهجية الإقراض الفردي. كما حضر مدراء الفروع جلسات إرشاد على كيفية إقامة لجان التمويل وتم تدريب المنسقات الأوائل على زيارة المراجعة النهائية لطلب التمويل بوجود مدراء الفروع. كذلك قامت المجموعة بتدريب وتجهيز مدربين من فريق التضامن ليقوموا بدورهم فيما بعد بتوجيه العاملين الحاليين والجدد على التمويل الفردي.
وفي أكتوبر 2015، قام فريق مكون من 5 موظفين (4 مدراء مناطق + مدير فرع) من مؤسسة التضامن بزيارة المجموعة لتبادل الخبرات مع أقرانهم في لبنان بهدف التعرف علي المنتجات والسياسات والتحديات خاصة فيما يواجه المنتج الفردي.
أتاحت لنا الزيارات الميدانية في لبنان فرصة للتعرف عن قرب على أساليب معاملة وخدمة العملاء وكيفية إجراء التحليل المالي. لقد لفت نظرنا المعاملة الحسنة ما بين موظفي المجموعة والعملاء بالإضافة إلى قدرة مسؤول الإقراض على التعامل مع مختلف الثقافات والجنسيات المقيمة داخل لبنان. كما تعرفنا على الأنواع المتعددة من المنتجات المالية مثل: يلا شباب ، تمويل الموظفين، تمويل الفلبينين، تمويل تجهيز المنزل.
وقد تمت مراقبة وتحليل المحافظ لمدة عام تقريبًا وعمل التعديلات الضرورية على المنتج التجريبي حتى تم التوصل إلى الشكل النهائي للمنتج وتحديد الخصائص الملائمة والبدء بتدريب جميع موظفي الميدان وإدارات المؤسسة لإطلاق وتعميم المنتج في كل فروع المؤسسة في مايو 2016.
التعلم المتبادل من خلال شبكة تواصل فعالة
لقد كان لتجربة تبادل الخبرات هذه منافع عديدة للطّرفين. فقد زادت المجموعة من خبراتها الإستشارية وطورت آلياتها، وتمكنت من بناء قدرات الفريق الفني العامل وتفعيل التفويض الداخلي للموظفين خلال غياب المدراء عن أقسامهم وقت الزيارات الميدانية للتضامن. كما أن المجموعة استفادت من التعلم من ثقافة مختلفة وبعض الصعوبات والتحديات الجديدة التي توسع مروحة مهاراتها وتدعمها في تموضعها كمقدم للخدمات الإستشارية.
هذا المشروع كان فرصة للمجموعة وللكوادر العاملة بها لإختبار إدارة التغيير في بيئة مختلفة.
أما بالنسبة للتضامن، فبالإضافة إلى الجانب التقني المتعلق بتطوير المنتج الفردي والتدريب والتوجيه والتقطير حول أفضل ممارسات التمويل الأصغر فقد شملت المنافع تبادل الخبرات عن كيفية تعزيز ثقافة تقبل التغيير والانفتاح نحو أفقٍ جديدة ومعالجة مقاومة بعض الأفراد الذين كانوا يعتقدون أن منهجية التمويل الفردي لن تنجح في التضامن. وفي هذا الإطار يجدر بالذكر أن العمل الإستشاري الذي قدمه فريق المجموعة لم يكن عاما بل كان متكيفا مع كافة العناصر المرتبطة بعمل التضامن مع فريقٍ متخصص مشابه يتكلّم اللغة عينها ومن القطاع عينه والظروف المعاشة المماثلة لما في ذلك من تأثيرٍ مباشر على التنفيذ وإحداث الأثر.
ومن أبرز التحديات التي واجهت المشروع هي مقاومة بعض الموظفين للمنهجية الجديدة وصعوبة تعديل منهجية العمل لدى بعض المنسقات الميدانيات اللواتي لم يعتدن على دراسة وتقييم مشروع العميلات عبر حساباتٍ مالية لتحديد الجدارة الإئتمانية. إلا أن هذه التحديات زالت مع جلسات الإرشاد والتوجيه الميدانية التي قدمها الفريق الاستشاري المتخصص من المجموعة والمدربين الجدد في التضامن.
أن نجاح هذا العمل المشترك إرتكز على بناء شبكة تواصل فعالة بين التضامن والمجموعة والتي فعلت تبادل الأفكار والآراء وتنفيذ المقررات بشكلٍ سريع. فشكلت أداةً فعالة مع إصرار وعزيمة العاملين في المشروع لقيادته نحو أهدافه المحددة . شكل هذا المشروع مثال على قدرة تبادل الخبرات في تحقيق الإنجازات.
___________________________________
مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر من مؤسسات التمويل متناهي الصغر الرائدة في مصر ويعمل بها أكثر من 1000 موظفا من خلال 60 فرعا ويقومون بخدمة ما يزيد عن 170,000 من العملاء النشطين والمستفيدين. وبنهاية 2018، بلغ حجم المحفظة القائمة حوالي 25 مليون دولار منها 14% للتمويل الفردي.
الجمعية اللبنانية للتنمية (المجموعة) هي المؤسسة الرائدة في مجال التمويل الأصغر بلبنان (أكثر من 50% من حصة السوق) ويعمل بها 404 موظفا من خلال 28 فرعا ويقومون بخدمة ما يزيد عن 85,000 من العملاء النشطين والمستفيدين. وقد قامت المجموعة بصرف ما يزيد عن 490,000 قرض بقيمة تزيد عن 600 مليون دولار منذ نشأتها. وتتميز جودة المحفظة بالاستقرار مع الحفاظ على معدل المحفظة في خطر لأكثر من 30 يوما أقل من 1% خلال الأعوام الثلاثة الماضية.