الخروج من الأزمة وقيادة التغيير في إدارة الموارد البشرية
عام 2010 كان مميزا جدا بالنسبة لمؤسسة التضامن للتمويل الأصغر؛ فقد تم تحقيق خطة نمو المؤسسة ووصل عدد العملاء النشطاء إلى 100 ألف عميلة. ولكن هذا الإنجاز لم يستمر طويلا! ففي عام 2011، خسرت المؤسسة 70 ألف عميلة وانكمشت محفظة التضامن للثلث وإرتفعت نسبة المحفظة في خطر إلى 7%، ماذا حدث؟ هل العوامل الخارجية المتمثلة في عدم استقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر هي المسؤول الأكبر عن تلك الأزمة؟ الإجابة لا... لقد اكتشفت مؤسسة التضامن أن المشكلة في الداخل وليست في الخارج. فبالإضافة إلى تسرب العميلات، خسرت المؤسسة ما يقرب من 40% من موظفيها خلال عامين.
إن في حياة المؤسسات - كما في حياة الإنسان - محطات وأحداث وتواريخ يجب التوقف عندها وتسجيلها وتناولها بالبحث والتحليل من أجل استخلاص الدروس لاستكمال مسيرة الانجازات ومواجهة التحديات في ظل ما تواجهه مؤسسات التمويل الأصغر من منافسة، ومتغيرات بيئية متسارعة، وفي الغالب لا توجد خيارات متعددة أمام المدراء حين يتعلق الأمر بالتحديات التي تواجهها مؤسساتهم، ولكن يمكنهم الإختيار بين التعامل مع هذه التحديات كمشكلات أو تحويلها إلى فرص.
إختارت مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر الخيار الثاني وارتأت في التداعيات التي صاحبت أحداث ثورة 25 يناير فرصة لإعادة تقييم سياساتها وإجراءاتها وأداء موظفيها بشكل عام، وسرعان ما قامت مؤسسة التضامن بتوجيه جزء كبير من مواردها للاستثمار في رأس المال البشري من أجل تحسين الأداء وكفاءة الإنجاز. لقد اكتشفت المؤسسة أنه ليس لدى كل موظفيها نفس درجة الانتماء المؤسسي والإيمان بالرسالة. والجدير بالذكر بأن التضامن قد حصلت على درجة A في الموارد البشرية في التصنيف المؤسسي الذي تم قبل 2011 وذلك بالرغم من عدم وجود إدارة متخصصة وتم تقييم إدارة الموارد البشرية كعملية ومجموعة إجراءات فقط.
لقد قررت مؤسسة التضامن الاستعانة بأعين خارجية متخصصة من أجل تحليل وتقييم الوضع ومعرفة الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسة خلال فترة النمو السريع. ولقد استعانت التضامن بخبراء وبدعم من كل من صندوق سند ومؤسسة التمويل الدولية. وقد أوضح مسح لاختبار مدى رضا العاملين بالمؤسسة بأن هناك فجوة بين احتياجات الموظفين وما تقدمه المؤسسة ويمكن تلخيص الأسباب فيما يلي:
- القصور في التواصل بين الدرجات الوظيفية المختلفة وخاصة بين موظفي الميدان والمكتب الرئيسي
- عدم وضوح الرؤية والمسار الاستراتيجي لجميع الكوادر بالمؤسسة
- عدم معرفة الجميع بسياسات المؤسسة وإجراءات الموارد البشرية
- عدم وجود مسار وظيفي واضح للجميع وعدم وجود خطط تدريبية ممنهجة
- وجود شعور بعدم التقدير المعنوي وخاصة للمبادرات الفردية
- اتباع نظام تقليدي لتقييم الأداء يركز على تحقيق المستهدف وليس تنمية العناصر البشرية لرفع المهارات والقدرات
منذ عام 2013 تبنت مؤسسة التضامن تنفيذ خطة لتطوير الموارد البشرية وتعزيز القدرات المؤسسية محورها خفض معدل التسرب الوظيفي عن طريق رفع معدل انتماء الموظفين قائم على ترسيخ الرسالة والتوجه الاستراتيجي والقيم المؤسسية ووضوح دور كل فرد داخل المؤسسة بالإضافة إلى خلق مناخ إيجابي عن طريق التقدير المادي والمعنوي ومسار وظيفي واضح لجميع الكوادر. ويمكن تلخيص الخطوات التي قامت بها مؤسسة التضامن لتنمية وإدارة المواهب كما يلي:
- مراجعة الهيكل التنظيمي وإعادة الهيكلة لتكون أكثر رأسية وعضوية
- تعيين مدير لإدارة الموارد البشرية وتفعيل وحدات التعيين والتدريب وشؤون الموظفين
- وضع رسالة وأهداف لكل ادارة بالمؤسسة
- إعادة صياغة جميع المهام الوظيفية ووضع هيكل نمطي سلوكي لكل وظيفة
- مراجعة نظام المرتبات والدرجات الوظيفية ووضع سياسات وإجراءات واضحة للتوظيف وتقييم الأداء والترقي
- وضع خطط تدريبية واضحة لجميع الكوادر ومراحل تطورها
- تطوير دليل لإدارة الموارد البشرية وكتيب للموظفين لإرشادهم بجميع حقوقهم وواجباتهم
- عمل برامج تقديرية وتشجيعية لتقدير الموظفين بالإضافة إلى تشجيع الدراسة الجامعية والعليا والحضانات
- تدريب جميع الكوادر على القيم المؤسسة وميثاق العمل
ولقد ساعد على تنفيذ الخطة وجود قنوات اتصال مفتوحة بين المستويات الإدارية المختلفة وتشكيل فرق عمل مدارة ذاتيا يتم تكليفها بمهمة محددة، وللفريق حرية إختيار طريقة العمل وتحديد الموارد وإتخاذ القرارات اللازمة لإنجاز مهمة الفريق وذلك دون الحاجة إلى الرجوع إلى المستوى الإداري الأعلى. ومن أهم النتائج الملموسة هو زيادة الثقة المتبادلة بين الموظفين والمدراء وزيادة روح المبادرة خارج نطاق المهام الوظيفية وتطبيق مفهوم العمل الجماعي وسعي الموظفين لتحقيق خطة المؤسسة ككل وكذلك مفهوم الهيكل التنظيمي العضوي الذي يكون فيه الموظف علي استعداد تام لحل أي مشكلة تواجهه في سبيل تحقيق مهمته حتى لو لم تقع هذه المشكلة في نطاق صلاحيات وظيفته.
إن التغيير بحاجة إلى قيادة التغيير الذي يتضمن قيادة الجهد المنظم والمخطط لتحقيق الأهداف من خلال التوظيف العلمي السليم للموارد البشرية والمادية والتقنية، وخلق الحماس والدافعية لدى الموظفين بالمؤسسة والتأكيد على أن عملية صنع القرارات تشاركية. يحتاج التغيير أيضا إلى قيادة واعية لديها رؤية مؤمنة بضرورة التغيير، لديها إرادة التغيير ومستعدة لتذليل جميع العقبات. وبجانب القيادة المؤمنة بالتغيير يحتاج الأمر إلي أن يستوعب الموظفين متطلبات عملية التغيير، وهنا لعبت البرامج التدريبية والمصممة خصيصا لتلبية احتياجات وتوقعات مؤسسة التضامن دورا هاما في سرعة استجابة الموظفين لمتطلبات عملية التغيير.
ومن ضمن هذه البرامج برنامج بناء الفريق والذي تم تقديمه مرتين حتى الآن: المرة الأولى، في فبراير/شباط 2015 تحت عنوان "القيم المؤسسية" وتم تقديمه إلى 280 موظف يمثلون جميع موظفي التضامن حينها، وعلى مدار يومين ومن خلال منهجية تدريبية حديثة تتضمن التعلم من خلال اللعب والرياضة (التعلم التجريبي) تم توصيل وغرس مفهوم القيم المؤسسية السبعة للتضامن وهي: الإحترام، الشفافية، النزاهة، المصداقية، الثقة، الإنتماء، المسؤولية الاجتماعية، وأهمية أن يؤمن ويعكس كل موظف من موظفي التضامن هذه القيم أثناء تعامله سواء مع زملائه أو مع العملاء؛ والمرة الثانية في إبريل/نيسان 2017 تحت عنوان "خدمة العملاء" حيث تم تقديمه لحوالي 460 موظف يمثلون جميع موظفي التضامن وقتها، وقد تم تصميم جميع فعاليات البرنامج التدريبي خصيصا ليلائم احتياجات وتوقعات العملاء.
ولقد إنعكست هذه التدخلات على تحسين أداء الموظفين بشكل عام مما أدى إلى تجاوز المؤسسة للتداعيات التي صاحبت أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011 وفي يونيو/حزيران 2017، قل التسرب الوظيفي ليبلغ 11% وزادت نسبة رضا الموظفين لتبلغ 93%، كما استعادت المؤسسة محفظتها بعدد 107 ألف مقترضة ومحفظة نشطة قاربت الـ 200 مليون جنيه مصري ونسبة المحفظة في خطر صفر.
*تم كتابة هذا المقال بالتعاون مع إدارة الموارد البشرية بمؤسسة التضامن للتمويل الأصغر، مصر.
تجربة رائعة كل التقدير و الاحترام ... ارجو نشر تفاصيل وخطوات خطة الاصلاح التي تمت لتكون ملهمة لكثير من المؤسسات
اترك تعليق