هل للمحافظ الرقمية عبر الهاتف المحمول دور في تعزيز الوصول إلى التحويلات والخدمات المالية الأخرى؟
إن التحوّل الرقمي للتحويلات المالية من شأنه تمكين الأشخاص من نقل أموالهم بسرعة وبتكلفة منخفضة وبشكل أكثر ملاءمة. ومع الاحتفال باليوم العالمي للتحويلات المالية العائلية للإشادة بالمساهمة الهامة التي يقدمها المهاجرون لأسرهم في موطنهم الأصلي وللاقتصاد بشكل عام، يتبادر إلى الأذهان سؤالا مهما يجب طرحه وهو: ما مدى فعالية هذا التحوّل الرقمي للنهوض بإمكانية الحصول على الخدمات المالية الشاملة ونمو البيئة الأساسية الداعمة؟
الإجابة على هذا السؤال في غاية الأهمية في سوق مثل الأردن.
تستضيف المملكة الأردنية أكثر من 600,000 لاجئ سوري وهو ثاني أعلى معدّل لاستضافة اللاجئين في العالم (89 لاجئ لكل 1,000 نسمة). وتشكّل النساء والأطفال نسبة كبيرة من هؤلاء اللاجئين حيث يعيش أكثر من 80% منهم تحت خط الفقر. ويعني ذلك في كثير من الأحيان بأنهم مستبعدون من النظام المالي الرسمي. إلا أن إحدى الفرص الرئيسية يتمثل في أن غالبية هؤلاء اللاجئين يقومون باستخدام هواتفهم المحمولة. وحقيقة الأمر أن حوالي من 10% إلى 20% من المساعدات النقدية التي يحصل عليها اللاجئين يتم إنفاقها على الاتصالات مثل الوقت المتاح للمحادثات الهاتفية والحصول على البيانات وغيرها.
ومن أجل زيادة الإدماج المالي للاجئين السوريين في الأردن، قامت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ بالشراكة مع دينارك، إحدى شركات خدمات الدفع المرخص لها في الأردن في إطار مشروع Dig#ttances لتعزيز إمكانية القيام بالتحويلات والخدمات المالية الأخرى من خلال الحلول الرقمية. ولقد بدأ المشروع في عام 2015 ومع انتهائه في أوائل عام 2019، تم استدعاء شركة آمارانتيه للإستشارات لإجراء التقييم النهائي لهذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص. في هذا التقييم، قمنا بالتركيز على التعلم والتحديات أمام مدى استيعاب السكان المستهدفين من اللاجئين السوريين والنساء والأردنيين المستبعدين من النظام المصرفي لمحفظة الهاتف المحمول.
نتائج التقييم الرئيسية تلقي الضوء على السؤال الذي طرحناه أعلاه: إلى أي مدى كانت الحلول الرقمية في الأردن فعالة في تعزيز الوصول إلى التحويلات والخدمات المالية المختلفة ودفع نمو البيئة الأساسية الداعمة؟
لنطلعكم على أبرز الاجابات التي توصلنا إليها:
عدد الاشتراكات ارتفعت، إلا أن نسبة الاستخدام منخفضة: اعتبارا من أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، استحوذت شركة دينارك على اشتراك 5000 من بين 8000 لاجئ سوري قاموا بالتسجيل لمحافظ الهاتف المحمول لدى مقدمي خدمات الدفع في الأردن. وبالرغم من أن هذه الحصة السوقية تعتبر كبيرة، إلا أن العدد الإجمالي للمشتركين من اللاجئين يعتبر ضئيلا جدا عند مقارنته بعدد اللاجئين في الأردن. وبالإضافة إلى ذلك، نسبة الاستخدام بين المشتركين منخفضة جدا. وقد كشف التقييم بأن الأسباب الرئيسية هي: انخفاض التدفق النقدي وعدم الثقة في البيئة الرقمية فيما بين اللاجئين. كما أن اللاجئين لا يحصلون على المساعدات الإنسانية بشكل مباشر في محافظهم وذلك يتسبب في دفعهم بعيدا عن الاستخدام. وذلك يأخذنا إلى النقطة التالية.
الحالات القليلة لاستخدام المحفظة تحدّ من الإقبال على الاستخدام: إن قطاع المساعدات الإنسانية منفصل تماما عن منظومة خدمات الدفع. على اللاجئين اتخاذ خطوة إضافية لإيداع التحويلات النقدية الإنسانية في محافظهم، مما يخلق عائقاً أمام تبني حلول المحافظ الرقمية. لذلك يجب التوافق بين منظومة التحويلات النقدية الإنسانية وحسابات المعاملات الرقمية للمساعدة في معالجة ذلك. إذا قام اللاجئون بإستلام المساعدات في محافظهم، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز الاستخدام المالي ونمو البيئة الأساسية الرقمية. ويرى خبراء الصناعة في الأردن أن حالات الاستخدام الأخرى مثل الإيداع المباشر للرواتب في محافظ الهاتف المحمول وتجارب المستخدم الرقمي المتعددة مثل "النقر والسداد"، من الممكن أيضا أن تساعد على تحفيز الإقبال على الخدمات المالية الرقمية.
لا يمكن إغفال التفاعل الإنساني ودور شبكات الوكلاء: على الرغم من أن التحوّل الرقمي قد حقق تقدما كبيرا في مجال التحويلات المالية على مستوى العالم؛ إلا أن معظم الأسواق لا تزال تعتمد على الوكلاء لتقديم الخدمات للمستخدم النهائي. والأردن ليس استثناء. فإن تواجد شبكة قوية للوكلاء هي شرط أساسي لتوسيع إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، إن التفاعل الإنساني هو أمر بالغ في الأهمية للعملاء في المجتمعات التشاركية والقائمة على التعامل النقدي بشكل رئيسي مثل هو الحال في الأردن. ولتحقيق ذلك ، قامت شركة دينارك بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بالاستثمار في 217 وكيلا موزعين على 421 موقعا في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، فإن هناك أهمية كبيرة لتحفيز الوكلاء وإظهار العلامة التجارية. على الرغم من الجهود التي بذلتها دينارك في زيادة عدد الوكلاء، أعرب بعض العملاء الذين تمت مقابلتهم في إربد عن تفضيلهم للسفر إلى متجر دينارك في مركز التسوق بوسط المدينة لإجراء المعاملات بدلاً من الذهاب إلى أقرب وكيل لهم؛ مما أثار تساؤلات حول تفضيل العملاء والثقة والعادات الموروثة. وعلى جانب العرض، يحتاج الوكلاء إلى البرامج المناسبة لتكون لديهم الحوافز الكافية لدفع الاستخدام المالي، كما يجب أن يتم تمييزهم بعلامات واضحة وجذابة لجعلها مرئية بسهولة للمستخدمين الحاليين والمستقبليين.
في الختام، فإن المملكة الأردنية تقوم بتوفير فرص كثيرة جدا للبيئة الأساسية الرقمية الشاملة لكي تتطور وتنمو. إلا أن مقدمي خدمات الدفع مثل دينارك لا يستطيعون العمل بمعزل عن غيرهم. ولذلك يجب مواصلة الجهود المشتركة من قبل البنك المركزي الأردني والقطاع الخاص وشركاء التنمية من أجل القيام بما يلي:
- تنظيم جهود مشتركة للتثقيف المالي والرقمي من أجل رفع مستويات الوعي والارتياح بين اللاجئين والنساء والفئات المحرومة من الخدمات البنكية وذلك لتحويل تعاملاتهم من النقدية إلى الرقمية.
- توسيع نطاق حالات استخدام محفظة الهاتف المحمول والبدء باستهداف إيداع الأموال الواردة في المحفظة مباشرة، وبالتالي توسيع خيارات العملاء النهائيين. إن حالة الاستخدام السائدة الحالية لدفع الفواتير لا يمكن لها معالجة مجموعة الاحتياجات المالية بين الفئات المحرومة من الخدمات البنكية. ويجب تصميم حالات استخدام بعناية من أجل توفير الزخم الضروري لزيادة الاستخدام.
- إنشاء برامج مناسبة لحوافز الوكلاء لكي تشمل بشكل أكبر التحفيز على الاستخدام المالي. إن النماذج المبتكرة مثل الشراكات مع مؤسسات التمويل الأصغر التي يمكنها تمويل الوكلاء أو منحهم نقدية مسترجعة/خصومات قد تساعد على إنشاء قوة دافعة أولية.
- زيادة التكامل بين المجالات الإنسانية والرقمية وذلك ضروري بشكل خاص لإشراك اللاجئين السوريين والنساء.
- زيادة قابلية التشغيل البيني بين مقدمي خدمات المحافظ الرقمية بحيث يمكن للمستخدمين ومقدمي المدفوعات بالجملة (ربط المنظمات الإنسانية) التعامل بسهولة عبر محافظ تقدمها جهات دفع متعددة.