مسح يكشف أن ثمة سحبا تتجمع في السماء، لكن لا عاصفة بعد في مواجهة التمويل الأصغر
يساور القلق الكثيرين في مجتمع الشمول المالي العالمي بشأن تأثير جائحة فيروس كورونا على مؤسسات التمويل الأصغر وعملائهم. في محادثات المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) مع المعنيين خلال الشهور الماضية، سمعنا هذه الأسئلة تتكرر:
- مدى تأثر جودة محفظة المشاريع بالجائحة؟
- هل تواجه مؤسسات التمويل الأصغر أزمة سيولة ؟
- هل تتعرض الملاءة المالية لهذه المؤسسات للخطر؟
- ماهي آفاق القطاع لدى مؤسسات التمويل الأصغر؟
حتى الآن، لا يتوفر لأحد البيانات اللازمة للإجابة على هذه الأسئلة من منظور عالمي. وتم إعداد المسح العالمي الذي تجريه المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء كل أسبوعين عن مؤسسات التمويل الأصغر لسد هذه الفجوة ومحاولة الوصول إلى بعض الإجابات. مع مضي أسبوعين حتى الآن على نشر المسح، مازالت البيانات ترد من مؤسسات التمويل الأصغر حول العالم، وقد بدأنا للتو في تحليل النتائج. ومع هذا، نستطيع أن نرى الخطوط العريضة لبعض الإجابات.
ما مدى تمثيل المسح للقطاع؟
الموجة الأولى من مسح المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء تظهر أن ثمة سحبا تتلبد في الأفق لكن لا عاصفة بعد تواجه قطاع التمويل الأصغر نتيجة جائحة كورونا. وستجري المجموعة الاستشارية المسح كل أسبوعين على مدى الأشهر من الثلاثة إلى الستة القادمة. تصوير: سوديبتو داس، مسابقة الصور الفوتوغرافية للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) لعام 2012.
قبل الحديث عن النتائج، جدير بالذكر الإشارة إلى قصور البيانات. أولا، رغم ورود تقارير من 180 مؤسسة للتمويل الأصغر، فإن هذا العدد لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من القطاع. ثانيا، قد يكون هناك تحيز في اختيار من استجاب للمسح. ثالثا، البيانات تتحدث عن نفسها، ولم تخضع لأكثر من عمليات التحقق الأساسية المعتادة. وفيما يستمر المسح في موجات إضافية، نأمل في توسيع نطاق العينات بإضافة مزيد من مؤسسات التمويل الأصغر. سنطلب مساعدتك في هذا الصدد بتشجيع مؤسسات التمويل الأصغر في دائرتك على الاشتراك واستيفاء المسح هنا.
دعنا نبدأ إذن بعدة نقاط عن عيناتنا. استجابت 180 مؤسسة للتمويل الأصغر لأول موجة من المسح الذي أجري في الفترة من 1 إلى 15 يونيو حزيران 2020. وكان أغلبها من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء (41 في المئة)، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (25 في المئة). تبلغ القيمة الإجمالية للأصول التي تمتلكها هذه المؤسسات 14.59 مليار دولار، بمتوسط 85.3 مليون دولار لكلٍ منها. أغلبها (39 في المئة) شركات متوسطة الحجم، بأصول تتراوح قيمتها بين 10 ملايين و100 مليون دولار ، تليها مؤسسات أصغر (37 في المئة)، ومؤسسات أكبر (17 في المئة). من استجابوا للمسح كانوا أكثر تقيدا باللوائح (80 في المئة) من غيرهم.
كيف تؤثر جائحة فيروس كورونا على جودة المحفظة؟
التغير في المحفظة المعرضة للمخاطر لأكثر من 30 يوماً (PAR30). ارتفع المتوسط العالمي للمحافظ المعرضة للمخاطر (PAR30) بين من استجابوا لمسحنا من 4.1 في المئة في يوليو تموز 2019 إلى 7.2 في المئة في أبريل نيسان 2020. هذه الزيادة التي بلغت 78 في المئة تبرز مدى التحدي الذي تواجهه هذه الصناعة، إلا أنها تظل أقل مما كان يخشاه العديد من المستثمرين وغيرهم من المعنيين. ومع هذا، فإن بعض جوانب القطاع أكثر تأثرا بشكل سلبي من غيرها. فمعدل المحافظ المعرضة للمخاطر (PAR30) زاد بوتيرة أسرع وبلغ أعلى مستوى له بين من استجابوا للمسح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا (وإن كان يجدر بالذكر أن العينات الممثلة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى الآن لا تضم سوى 13 مؤسسة). لاحظ أننا سلطنا الضوء على المتوسطات المرجحة لمقاييس المحافظ الجيدة لأسباب نفصلها في القائمة التالية.
إعادة هيكلة المحافظ (يشمل المحافظ المؤجلة). لفهم كيفية تأثير جائحة كورونا على جودة المحفظة، من الضروري معرفة إلى أي درجة تعيد مؤسسات التمويل الأصغر هيكلة نفسها وإلغاء محافظها؛ هذان الإجراءان يؤديان إلى تحسين المحافظ المعرضة للمخاطر (PAR30). في المتوسط، تشير مؤسسات التمويل الأصغر المشاركة في الاستقصاء إلى أن 18.1 في المئة من محافظها قد أعيد هيكلتها أو تم تأجيلها اعتبارا من أبريل نيسان 2020. وتواجه مؤسسات التمويل الأصغر في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا أعلى مستوى، بينما يصل هذا المستوى لأدناه في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وهذه معدلات مرتفعة بالمعايير التاريخية، وترجع إلى التأجيل الإلزامي للسداد الذي فرضته بعض الحكومات، فضلا عن قرار مؤسسات التمويل الأصغر الاستباقية للتكيف مع الظروف المتغيرة لعملائهم.
الشطب. حتى الآن، لم تدفع جائحة كورونا مؤسسات التمويل الأصغر إلى شطب جزء كبير من محافظها. فعلى المستوى العالمي، تم شطب 0.7 في المئة من الديون القائمة في الفترة بين يناير كانون الثاني وأبريل نيسان 2020، مع تسجيل أعلى معدلات في أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا وآسيا الوسطى (0.9 في المئة) وأدناها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (0.5 في المئة). هذه الأرقام ليست مفاجئة حيث كانت الأزمة في بدايتها في شهر أبريل نيسان على الأرجح فلم تكن قد شهدت بعد عمليات شطب ضخمة.
هل تواجه مؤسسات التمويل الأصغر أزمة سيولة ؟
كثيرا ما تركز الأحاديث الدائرة حول طبيعة الأزمة الحالية على المخاوف من أن مؤسسات التمويل الأصغر قد تجد نفسها بدون سيولة كافية لتغطية نفقات التشغيل وفوائد الدين. بياناتنا لا تدعم فرضية أن السيولة تمثل مصدر قلق عاجل، على الأقل حتى شهر أبريل نيسان 2020. قد يكون لهذا أسبابه: دعم السيولة بالفعل من الممولين، أو تراجع الإقراض، أو تقليص نفقات التشغيل. أيا كانت الأسباب، فإن مؤسسات التمويل الأصغر العادية الواردة في عيناتنا لديها الغطاء الكافي من السيولة والأصول. ولا يبدو أن هناك تباينا كبيرا في هذا فيما بين المناطق؛ ومع ذلك، فقد سجلت مؤسسات التمويل الأصغر في أوروبا وآسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء انخفاضا طفيفا في الاحتياطي النقدي، بينما سجلت منطقتا أمريكا اللاتينية والكاريبي ارتفاعا طفيفا.
هذا الارتفاع في مستويات السيولة يمكن أن يمثل أخبارا سارة، لكن ليس بالضرورة. فمؤسسة التمويل الأصغر يمكنها أن تزيد ما لديها من سيولة بوقف عمليات الإقراض وتسريح الموظفين مع مواصلة تحصيل الديون كلما أمكن ذلك. هذه إجراءات شائعة لدى أي دائن يتوقع حدوث أزمة، وتعتبر نهجا عقلانيا وحصيفا من الناحية المالية. بيد أن هذه الاستراتيجية تهدد بإحالة أزمة السيولة إلى المواطن الأقل قدرة على تحملها: العملاء من منخفضي الدخل. وعلى المدى الطويل، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى تقليص حجم محفظة المشاريع وحجم العمليات المعهودة لمؤسسات التمويل الأصغر إلى مستويات غير مستدامة، مما يتسبب في إمكانية حدوث أزمة في الملاءة المالية.
نغوص بدرجة أعمق في الأسئلة المتعلقة بالسيولة، وسنجري المزيد من التحليل عن ذلك وسننشره قريبا.
هل تتعرض الملاءة المالية لهذه المؤسسات للخطر؟
رغم ما تثيره زيادة المحافظ المعرضة للمخاطر (PAR30) من مخاوف، فإنها لن تشعل على الأرجح أزمة ملاءة مالية في القطاع برمته - حتى شهر أبريل نيسان 2020 على الأقل. ومع هذا، فقد تصبح الملاءة المالية مبعث قلق أكبر إذا استمرت هذه الأرقام في الزيادة.
والسؤال الحقيقي هو: ماذا سيحدث للمحافظ التي أعيد هيكلتها؟ أشار المشاركون في مسحنا إلى أن 18.1 في المئة من محافظهم قد أعيد هيكلتها أو تم إرجاؤها. إذا تحول ثلث الديون إلى ديون معدومة، فإن متوسط المحافظ المعرضة للمخاطر PAR الذي نسجله هنا سيزيد الضعف من 7 في المئة إلى 13 في المئة. على الطرف الأقصى، يمكن للمرء أن يتخيل سيناريوهين مختلفين تماما قد تنجم عنهما هذه الأرقام:
- في السيناريو الأكثر تفاؤلا، ثمة تعاف نسبي سريع بين العملاء، تستطيع فيه مؤسسات التمويل الأصغر تحصيل 80 في المئة من محافظها المعاد هيكلتها (وإن كان مع بعض التأخير). شطب نسبة الـ 20 في المئة الباقية سيجلب خسائر ضخمة، لكن ليس من المتوقع أن تشكل خطرا لوجود هذه المؤسسات في ظل الارتفاع النسبي لمستويات الرسملة بالقطاع.
- وفي السيناريو المتشائم، فإن للأزمة الحالية تأثيرا أطول أمدا على ماليات العملاء، تجمع فيه مؤسسات التمويل الأصغر 20 في المئة فقط من محافظها المعاد هيكلتها. وهذا من شأنه على الأرجح أن يجلب مخاطر على الملاءة المالية، لا سيما بين المؤسسات الأكثر ضعفا وفي المناطق الجغرافية الأشد تأثرا.
أي السيناريوهات سيفرض نفسه على الأرجح؟ نحن ببساطة لا نعرف، والإجابة بالتأكيد ستختلف حسب المنطقة ونوع مؤسسة التمويل الأصغر وعوامل أخرى. وكالعديد من الأشياء في عالمنا اليوم، سيتوقف مصير مؤسسات التمويل الأصغر على ما تنتهي إليه جائحة كورونا، وعلى استجابة السياسات التي تنتهجها الحكومات والجهات الرقابية، وعلى الإجراءات التي يتخذها المستثمرون والمقرضون الذين يدعمون القطاع.
ماهي آفاق القطاع بين مؤسسات التمويل الأصغر؟
مسحنا يطرح على مؤسسات التمويل الأصغر هذا السؤال: "إلى أي مدى بلغت معاناة قطاع التمويل الأصغر في بلدك الآن؟" أجوبة من شملهم المسح تراوحت، على مؤشر من عشرة مستويات، بين (1) "الأمور تمضي كالمعتاد"، إلى (5) "ضغط شديد"، صعودا إلى (10) كارثة وشيكة. في الموجة الأولى من المسح، كان المتوسط هو 6.4، وهو بوضوح يتجاوز مستوى "الضغط الشديد"، لكنه لم يصل بعد إلى المنطقة التي تنذر بالخطر الداهم. هذا المقياس كان متسقا للغاية أيضا في كل المناطق، باستثناء أوروبا وآسيا الوسطى التي وصل فيها إلى متوسط أقل قليلا عند 5.3.
حدسنا هو أن هذا الرقم ينسجم جيدا مع نتائج أخرى في المسح. فمؤسسات التمويل الأصغر تتعرض لضغوط كبيرة، وقد اتخذت بالفعل إجراءات استثنائية للحفاظ على جودة محافظها. وما زالت العوامل الأساسية التي تقوم عليها سليمة، ولم تتحقق بعد مخاوفها الأكبر؛ ومع هذا لازال هناك الكثير من الضبابية التي تحيط بمدى سرعة عودة الأمور إلى طبيعتها، وكيف ستكون هذه الطبيعة.
سنواصل تتبع هذا المقياس البسيط، باعتباره مؤشرا سريعا ورائدا عن حالة هذا القطاع في مختلف مناطق العالم وأجزاء القطاع.
ماذا بعد بالنسبة للمسح الذي تجريه المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء؟
يرجى الضغط هنا للتسجيل واستيفاء بيانات المسح (متوفر في اللغة الإنجليزية وفي اللغة الفرنسية). نهيب بكل مقدمي التمويل الأصغر ممن يخدمون العملاء محدودي الدخل المشاركة في هذا الجهد العالمي لدعم القطاع.
هذه مجرد أضواء أولية نسلطها على الموجة الأولى من المسح. وسننشر موجات قصيرة كل أسبوعين على مدى الشهور من الثلاثة إلى الستة القادمة لتتبع العديد من القياسات الجوهرية وجمع المعلومات لتعميق تحليلاتنا وتنقيحها. كلما أتيح لنا الوقت لتحليل وفهم ومناقشة البيانات، سننشر نتائج إضافية.
وسنواصل على مدى الأسابيع القليلة القادمة التدوين عن عدد من الموضوعات الرئيسية:
- السيولة، من خلال ما سطره دانييل روزاس في مقالته مستخدما بيانات 2016 من منصة بيانات ومعلومات Mix Market عن أداء مقدمي الخدمات المالية
- الملاءة المالية، التي تستعرض السيناريوهات المذكورة آنفا ولكن بمزيد من التفصيل.
- التفصيل، بالتعمق في الآثار المتباينة في كل المناطق، وأنماط مؤسسات التمويل الأصغر، إلى جانب عوامل أخرى.
في الوقت نفسه، ندعوك إلى إجراء تحليلك الخاص باستخدام لوحة مفاتيحنا العامة التي يستضيفها ATLAS.
أخيرا، نود أن نختم بالشكر الجزيل لكل مؤسسات التمويل الأصغر التي شاركت في مسحنا حتى الآن. ونحث كل مؤسسات التمويل الأصغر على المشاركة. نحن جميعا في هذا المركب، وكلما زادت المعلومات التي نستطيع تبادلها، كنا في وضع أفضل للنجاة من هذه الأزمة والخروج منها بمؤسسات تمويل أصغر أكثر قوة وقدرة على الصمود.
المسح العالمي الذي تجريه المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء هو جهد عالمي يعتمد على مشاركة مؤسسات التمويل الأصغر من شتى أنحاء العالم. للتعرف على المزيد عن المسح، يرجى زيارة هذا الموقع www.cgap.org/pulse. للاشتراك والمشاركة، يرجى زيارة هذا الموقع www.atlasdata.org/pulse. هذه هي التدوينة الأولى ضمن سلسلة التدوينات التمويل الأصغر وجائحة كورونا: رؤى من المسح العالمي للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء حيث سننشر بانتظام أحدث تحليلاتنا لبيانات المسح في هذه السلسلة من التدوينات.