مؤسسات التمويل الأصغر الدولية تتوقع الآثار الأولى للركود الإقتصادي
الأزمة تبدأ في الكشف عن آثارها الاقتصادية
إن أثر فيروس كورونا يستمر في التوسع و التفاقم. و الأمر المهم هو أن الإصابات قد تجاوزت المليون شخص في جميع أنحاء العالم و تم تأكيد حالات جديدة لتفشي الوباء.
تقوم مؤسسة "جرامين كريدي أجريكول" بالتواصل الدائم مع شبكتها التي تضم ما يقرب من 80 مؤسسة تمويل أصغر من شركائها المتواجدين في 40 دولة ، وتستمر المؤسسة في عملها لجمع المعلومات و تحليلها و تقوم بالمشاركة بملاحظاتها. و قد قمنا خلال الأسابيع الماضية بالتركيز على متابعة عواقب الأزمة ، و على ما قامت به مؤسسات التمويل الأصغر للتعامل مع هذه الأزمة. و هذه المعلومات مهمة جدا ؛ لأنها تسمح لنا باتخاذ القرارات اللازمة لإدارة المؤسسة ، و لدعم شركائنا و لمعرفة مدى فعالية إجراءاتنا و مدى ارتباطها بالصعوبات التي تواجهها المؤسسات و مدى قربها لتوقعاتهم. كما أن هذه المعلومات مهمة لكي يتم المشاركة بها فيما بين الأطراف الفاعلة في القطاع التي تقوم بتنظيم نفسها بشكل جماعي في مثل هذه الأوقات الحرجة.
إن النتائج التي توصلنا إليها تؤكد الاتجاهات المتوقعة للمعلومات التي تم الإبلاغ عنها خلال الأسابيع الأولى: إن الأزمة صعبة جدا و مما لا شك فيه أنها فاقت توقعاتنا الأولية التي تمت في أوائل شهر مارس/آذار ، إلا أنه يتم تنظيم سبل المقاومة. إن أثر الأزمة الصحية يتم بشكل منهجي. و لا يوجد نموذج متوقع للتعامل مع الأزمة. و لذلك يجب أن يتم الرد بشكل منهجي أيضا ، إذا أردنا أن نتفادى حدوث إخفاق كبير في هذا القطاع.
تقلص و ركود الأعمال الصغيرة
إن 78% من شركائنا يشهدون الآثار الأولى للركود الاقتصادي في المناطق التي يمارسون فيها أعمالهم.
و فيما يبدو من الردود الأولى التي تلقيناها ؛ أن المناطق الريفية سوف تنجو من الآثار الأولى للأزمة و بشكل خاص في مجالات الإنتاج الغذائي. إن المؤسسات بغض النظر عن حجمها و موقعها الجغرافي (المؤسسات الصغرى لديها محفظة تمويل أقل من 10 مليون دولار ، و المؤسسات الكبرى لديها محفظة بأكثر من 100 مليون دولار) ، فجميعها تواجه بشكل أو بآخر مشاكل متشابهة مثل: عدم القدرة على التنقل (74%) ، و انخفاض الصرف للمقترضين (77%) ، و حظر الاجتماعات للمجموعات (63%) ، و هذه هي أكثر الأسباب التي قام شركاؤنا برصدها فيما يتعلق بالعوامل الرئيسية المسببة لتباطؤ أنشطتهم.
و قد صرّح أحد شركائنا في جورجيا قائلا: "إن الأثر المباشر المتوقع (حتى 6 أشهر) كما تبين من التحليل الأولي ، هو التدهور المحتمل لجودة المحفظة في قطاعات السياحة و النقل و الفنادق ، و كذلك القروض التي تمولها الأموال المحوّلة من خارج البلاد. كما أنه من المتوقع حدوث أثر متوسط الأجل بسبب التباطؤ العام للاقتصاد ، و انخفاض عدد العملاء القادرين على السداد".
و يخضع أكثر من ثلث شركائنا لمرحلة الاحتواء الكامل تقريبا (36%) ، بينما يقوم الباقي بالتأقلم مع التدابير المشددة التي تسبق مرحلة الاحتواء.
وقد صرّح أحد شركائنا في كينيا قائلا: "لقد تأثرت أنشطتنا بشكل كبير حتى الآن ، حيث تأثرت مشروعات العملاء بشكل أساسي من مخاوف الناس ، و بشكل مباشر أكثر من التوجيهات الصارمة التي طبّقتها الحكومة في محاولة منها للسيطرة على انتشار الفيروس. و من المتوقع أيضا زيادة تكاليف المعيشة. فقد انخفضت الواردات و ازدادت تكاليف الإنتاج. و من المرجح أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في كينيا و أن يرتفع معدّل التضخم مما سوف يؤثر سلبا على اقتصاد البلاد".
و صرّح أحد شركائنا في بورما قائلا: "إننا نرى أن الحكومة تقوم باتخاذ تدابير متزايدة للحدّ من التنقل و الأنشطة التجارية. فعلى سبيل المثال ، ذكرت إحدى الحكومات الإقليمية على وجه التحديد ؛ بأنه يجب وقف جميع أنشطة التمويل الأصغر في المنطقة في شهر أبريل/نيسان. و قد تلقينا طلبات مشابهة من السلطات القروية في مناطق أخرى".
الآثار السلبية على الأداء المالي للمؤسسات
لقد بدأت هذه الصعوبات تنعكس على الأرقام الخاصة بمؤسسات التمويل الأصغر. و في هذا الصدد ، فقد لاحظت نسبة 74% من المؤسسات زيادة المحفظة في خطر الخاصة بها (PAR 1) ، و ذلك بالمقارنة مع نهاية عام 2019. و هذه الزيادة موجودة حاليا بأقل من 10% بالقيمة المطلقة لعدد 8 مؤسسات من أصل 10 مؤسسات.
و تقوم المؤسسات بشكل واضح بتسريع و تكثيف استخدام الحلول الرقمية من أجل تعويض استحالة انتقال فرق عمل المبيعات و تنظيم المدفوعات النقدية. و لذلك فقد صرّح 68% من المشاركين بالدراسة بأنهم يستخدمون المزيد من الخدمات الرقمية للقيام بأنشطتهم عن بعد.
لقد بدأت بالفعل عمليات إعادة هيكلة القروض و قامت بها تقريبا مؤسسة واحدة للتمويل الأصغر من كل مؤسستين (43%). و تم تأكيد التدخل من قبل الجهات التنظيمية و التشريعية للقطاع المالي: فقد تم تشجيع نصف المشاركين تقريبا (44%) على عرض استباقي للوقف المؤقت للنشاط و إعادة الهيكلة لصالح المقترضين (الدول التي قامت بفرض هذه التدابير هي على وجه الخصوص: كازاخستان و قيرغيزتان و سريلانكا و كمبوديا و الهند و أوغندا و بوركينا فاسو و رواندا و السنغال و جمهورية الكونغو الديمقراطية و مصر و المغرب و العديد من دول أوروبا الشرقية). كما يتم النظر في مبادرات جديدة مثل تقديم منتجات للطوارئ في الأشهر القادمة (مثل الحدّ الأدنى الضروري للمعيشة).
المؤسسات وتطبيق خطط الأزمات
إن هذه الأزمة المنهجية تتطلب أن تقوم مؤسسات التمويل الأصغر بدراسة متعمقة لتخطيط الأنشطة و احتياجات التمويل. وعند فحص الأمر ، تبين أن المهلات الممنوحة للمقترضين لا يتم ترجمتها بشكل كبير إلى متطلبات إضافية للموارد المالية لصالح مؤسسات التمويل الأصغر التي شملتها الدراسة. فعندما قمنا بالاستقصاء ، لم تر 48% من المؤسسات أي تغيّر في احتياجات السيولة الخاصة بها بالمقارنة مع التوقعات التي تم إجراؤها لنفس العام ، و توقعت ثلث المؤسسات انخفاضا في احتياجاتها بسبب الانخفاض الكبير في أنشطتها.
و في هذه المرحلة ، توقعت مؤسسة واحدة من خمس مؤسسات (19%) زيادة احتياجاتها المالية ، المرتبطة بزيادة في أسعار المدخلات (البذور و الأسمدة و المواد الخام و غيرها) مما يؤدي إلى زيادة في الاحتياجات المالية لحصتهم من المقترضين و بشكل رئيسي في المناطق الريفية. إن مؤسسات التمويل الأصغر الدولية هي أصل هذا التحليل المستقبلي.
و قد صرّح أحد شركائنا في كازاخستان قائلا: " لقد تأثرت كازاخستان بجانب تأثرها بأزمة كوفيد 19 ، بانخفاض حاد في أسعار النفط الذي أضعف العملة الوطنية من 380 تينج للدولار إلى 445 تينج للدولار"
و قد كشفت ردود شركائنا عن عوامل أخرى مثيرة للقلق ، و بشكل خاص ما يتعلق بقدرتهم على تمويل أنشطتهم: فقد تنبأ ربعهم بفقدان قيمة عملتهم المحلية مقابل الدولار (26%) و بزيادة كبيرة في التغطية التحوطية للعملة في التمويل المستقبلي (23%). كما أن هناك مؤسسة من كل خمس مؤسسات تمويل أصغر تجد بالفعل صعوبات في الحصول على التمويل من الجهات المانحة المعتادة.
و من أجل تعزيز قدرة التحكم في ارتفاع المخاطر و تطورات التمويل بأكبر قدر ممكن ، فقد قام أكثر من نصف مؤسسات التمويل الأصغر (55%) بالإعلان عن الانتهاء أو القرب من الانتهاء من وضع خطة استمرارية الأعمال بما في ذلك المراقبة الدقيقة للسيولة. و يعتبر ذلك استجابة رائعة لأن مثل هذه الخطط هي بمثابة عنصرا أساسيا في مساعدة مؤسسة التمويل الأصغر على مواجهة و إدارة العواقب المترتبة على الأزمة.
إن التحليل الذي قمنا به يقودنا إلى ملاحظة وجود ارتباط واضح بين خطط استمرارية النشاط في أعقاب أزمة فيروس كورونا ، و بين التجارب السابقة لأزمات قوية أثرت بالفعل على مؤسسات التمويل الأصغر. و لذلك ، يبدو أن الدروس المستفادة من الأزمات السابقة لها دور كبير جدا في صمود المؤسسات في وجه الأزمات ، سواء كانت هذه الأزمات مالية أو سياسية أو صحية أو غيرها. إلا أن هناك عدد كبير من المؤسسات قليلة الخبرة أيضا تقوم بإظهار رغبة كبيرة للابتكار و القدرة على التوقع.
و قامت الجهات المانحة أيضا برد فعل سريع جدا. فقد تعلموا أيضا من أزمات سابقة و قد أظهروا خلال الأسابيع القليلة الماضية ، قدرة رائعة على التدخل و التوقع في قطاع نشاط لا يزال صغيرا. و لذلك يقوم المقرضون الدوليون و المؤسسات و صناديق الاستثمار و البنوك المحلية في جميع أنحاء العالم ، بالعمل على وضع خطط عمل مشتركة. و يتم التنظيم لعقد عدد من الاجتماعات حول العالم من أجل توقع آثار الأزمة و التأكد من استيعاب الآثار التي ستكون مدمرة للغاية عند غياب هذا الوعي و هذا الالتزام السريع و العزيمة القوية. و قد اتفق الجميع على ضرورة تبادل المعلومات و التنسيق بشكل فعّال فيما بين الأطراف الفاعلة المختلفة. و تقوم الجهات المانحة بتنظيم إجراءاتها حول تكوين استجابات متلائمة مع احتياجات التمويل لمؤسسات التمويل الأصغر المتأثرة بالأزمة ، و كذلك عن طريق تقديم أدوات للمراقبة و خطط للمساعدة الفنية أو التدريب من أجل تعزيز قدرات فرق عمل مؤسسات التمويل الأصغر لمواجهة موقف مفاجئ بقدر ما هو استثنائي.
إن كل هذه العناصر تذكّرنا إلى أي مدى تمثل هذه الأزمة مصدرا مشتركا للقلق لجميع العاملين في التمويل الأصغر. إن إنخراط وجدية المؤسسات المحلية، و التنسيق فيما بين الشبكات الدولية ، و دعم المانحين من القطاعين العام و الخاص ، و ثقة المستثمرين؛ كل ذلك يشكل القيّم الأساسية لقدرتنا الجماعية من أجل التغلب على التحدّي الذي يمثله هذا التسونامي الصحّي.
المقال الرئيسي بالإنجليزية على مدونة مؤسسة جرامين كريدي أجريكول للاستثمار في التمويل الأصغر والأعمال الاجتماعية.