الإستمرارية في ظل الأزمة
لن تتم المعرفة الكاملة لأثر انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) على الاقتصاد العالمي إلا خلال الأشهر القادمة، حيث تستجيب الحكومات للحدّ من انتشار الفيروس حتى لا ينتقل تأثيره إلى الاقتصاد الكلي. ومع ذلك واستنادا إلى الوقائع الماضية المتعلقة بالصحة والاقتصاد أو البيئة، فإننا نعلم أن النساء ذوات الدخل المنخفض هن من بين أكثر المتأثرين سلبيا من الصدمات الاقتصادية بغض النظر عن سببها.
إن "الشبكة المصرفية العالمية للمرأة" تضم في عضويتها أكثر من 48 من مقدمي الخدمات المالية والذين يعملون في 28 سوقا من الأسواق النامية حول العالم، ويقومون بالتركيز على الاشخاص الذين لا تتم خدمتهم بشكل كاف، وبشكل خاص النساء. وتعمل هذه المؤسسات المالية مع الشبكة المصرفية العالمية للمرأة من أجل توسيع نطاق الحلول للوصول إلى المزيد من النساء ذوات الدخل المنخفض. وقد تواصلنا مع مقدمي الخدمات المالية من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وذلك من أجل تقييم ردود أفعالهم الأولية تجاه الوضع الآخذ في التطور جراء انتشار وباء كوفيد- 19. وقد كان ما وجدناه مثيرا للاهتمام. فبالرغم من أن الكثيرين أعربوا عن مخاوف متشابهة جدا بشأن المستقبل، إلا أنهم كانوا أيضا متّحدين بشكل كبير سواء فيما يتعلق بتحديد الفرص للوقوف في وجه العاصفة، أو لتطوير عملياتهم من أجل عبور ما يسمى "بالوضع الطبيعي الجديد".
و فيما يلي نسرد المخاوف الرئيسية التي أعرب عنها شركاءنا حول العالم بشأن الأزمة الحالية ، بالإضافة إلى الفرص الجديدة التي قاموا بتحديدها حتى الآن:
المخاوف الرئيسية لمقدمي الخدمات المالية
- غموض الوضع و عدم القدرة على التنبؤ: لم يكن أحد مستعدا لمدى سرعة وخطورة تطوّر الأزمة. وكان الخوف الأكبر الذي عبّرت عنه العديد من المؤسسات يتمثل في أنها لا تمتلك حتى الآن بيانات واضحة بشكل كاف لاتخاذ قرارات مبنية على معلومات. إن مقدمي الخدمات المالية يتساءلون يوميا إلى متى قد تستمر الأزمة، وماذا سوف يحدث بعد ذلك، وإلى متى يمكنهم تحمّل تكاليف التشغيل التي يتحملونها في الوقت الحالي. وكل هذه الأسئلة تتعلق بعدم اليقين المؤسسي. ويتصارع العديد من مقدمي الخدمات المالية مع مخاوفهم المتعلقة بمدى استعدادهم للأزمة مثل السيولة والقدرة على إدارة أداء المحفظة الخاصة بهم.
- انتقال العدوى بين الموظفين والعملاء والقضايا ذات الصلة: إن المهمة الأكثر إلحاحا لمقدمي الخدمات المالية الذين تحدثنا معهم ، كانت تتمثل في حماية الموظفين و بشكل خاص الموظفين الأساسيين الذين لا يزالون يحضرون بأنفسهم إلى العمل. كما أن هناك مخاوف مرتفعة على الموظفين المتعاقدين أو ذوي الأجور المنخفضة، وذوي الأجور اليومية، والعدوى الناتجة من أماكن العملاء. وتقوم المؤسسات بوضع خطط لتطهير مبانيها في حالة انتشار العدوى. كما أنهم قد أثاروا مخاوفهم بشأن نقص الإمدادات الطبية والغذائية. وقد سمعنا أيضا الكثير من المخاوف المتعلقة بتأثير انخفاض التعامل المباشر عند إجراء المعاملات (الزيارات الشخصية لإيداع المدخرات والصرف النقدي) كوسيلة للحدّ من انتشار الفيروس، في حين كانت البدائل الرقمية أقل تطوّرا لكي تقوم بسدّ الفجوة.
- القيادة في وقت الأزمات: إن العديد من مقدمي الخدمات المالية يدركون تماما أهمية دورهم الشخصي ودور مؤسساتهم في وقت الأزمات. ويدركون أيضا أن إدارة الأزمة على جميع المستويات؛ تمثل تحديا انفعاليا/عاطفيا (مع العملاء والموظفين وحياتهم الشخصية). ويعملون على ضمان صنع القرارات " الأفضل والحيوية و المتلائمة مع الأوضاع" مثل القرارات المتعلقة بمجالات إعادة جدولة القروض والاستغناء عن الموظفين وتجميد التوظيف وتعديل الميزانيات التقديرية. وتدور المخاوف الرئيسية المتعلقة بالقيادة حول كيفية الحفاظ على حماس الموظفين أثناء عملهم عن بعد، وكيفية إدارة الأولويات المتنافسة مثل متابعة تعليم الأبناء في المنزل، وكيفية تناول المخاوف بشأن العملاء وبشأن أدوارهم الخاصة. كما عبّر مقدمو الخدمات المالية عن مخاوفهم تجاه الصحة العقلية كعامل مهم جدا.
- فقدان الاتصال بالعملاء: يقوم العديد من مقدمي الخدمات المالية استنادا إلى ما تم ذكره عن القيادة أعلاه، بالتساؤل عن كيفية الحفاظ على اتصال وثيق مع عملائهم في البيئة الجديدة، حتى يتمكنوا من الحصول على فهم أفضل للحالة الصحية لعملائهم، التوقعات المالية والاحتياج المحتمل للمساعدة. كما أشار العديد منهم إلى إدارة التغيير وأهمية إعادة النظر في نماذج أعمالهم الآن وعلى المدى الطويل، مثلما هو الحال في الانتقال من نظام التعامل المباشر المرتفع مع العملاء إلى نظام التفاعل المباشر المنخفض مع العملاء. كما أثارت المؤسسات مخاوفها بشأن كيفية تقديم المساعدة العملية عند غموض الأوضاع المالية للعملاء ، وذلك بعد أن تباطأت تدفقات الإيرادات (مثل الحوالات المالية) وأصبحت التصنيفات والتواريخ الائتمانية غير واضحة.
- الإخفاق في الصمود وخدمة المستضعفين: إن العديد من مقدمي الخدمات المالية يعربون عن مخاوفهم بشأن انخفاض السيولة نتيجة لتباطأ عمليات الإقراض وسداد القروض. إنهم يدركون أنه في حالة إخفاق مؤسساتهم، فإن ذلك ليس من شأنه فقط التأثير السلبي على الموظفين، بل سيؤثر سلبا أيضا على آلاف العملاء المستضعفين وذوي الدخل المنخفض، والكثير من من هؤلاء هم من النساء. ومن الممكن أن يكون لذلك عواقب اقتصادية رهيبة ويؤدي إلى مزيد من التوابع الاقتصادية بعد الصدمة.
وعلى الرغم من أن تحديات الأوضاع الحالية، فإن مقدمي الخدمات المالية يرون فرصا، سواء للتطوير داخليا أو لتقديم القيمة خارجيا.
فرص جديدة لدعم العملاء
- التطلع إلى المستقبل والتفكير المستقبلي: لقد بدأ بعض مقدمي الخدمات المالية بالتفكير في عمليات ما بعد التدابيرالإحترازية في بعض الدول والإغلاق التام في دول أخرى، وفي نوعية العالم الذي سيعودون إليه. ويتفق معظمهم على أن مشاكل الموظفين ستمثل لهم الاهتمام الرئيسي. ويجب على المؤسسات ضمان قدرتها على تحفيز الموظفين على العودة إلى العمل، وتوفير الأمن الوظيفي لهم، وتوفير بدلات لتغطية تكاليف العودة، وذلك بالإضافة إلى الرواتب وتقديم المساعدة للتعليم المنزلي للموظفين الذين لديهم أطفال، واستغلال وقت أعضاء الفريق لإعادة بناء قاعدة المعرفة الخاصة بعملائهم. كما يفكر الكثيرون في القيام بتواصل استباقي بشكل أكبر مع الموظفين والمستثمرين. وقد صرّح البعض بأنهم سوف يقومون بتعزيز العمليات الداخلية خلال الأشهر الستة المقبلة لكي تشمل تخطيط/محاكاة للتصورات، وعمل احتياطي للخسائر في ميزانياتهم التقديرية.
- التركيز على العملاء: يقوم بعض مقدمي الخدمات المالية بالتخطيط للتأكيد على أهمية التركيز على العملاء ومستوى معيشتهم، عن طريق إنشاء "خط مساعدة" من شأنه إشراك العملاء ومعالجة احتياجاتهم الملحّة وتقديم المعلومات عن أعراض فيروس كورونا، وتزويدهم بأماكن الصيدليات والعيادات. وبدأ عدد من مقدمي الخدمات المالية في إجراء استقصاء للعملاء من أجل الحصول على فهم أفضل لأوضاعهم واحتياجاتهم. وقد اهتم البعض الآخر بالمساعدات المالية خارج نطاق ما يفرضه البنك المركزي، مثل الوقف المؤقت لسداد القروض وتجميد الفوائد. وقد أكدت المؤسسات التي تحدثنا معها عن وجود هدف شامل لدعم عملائهم قدر الإمكان من أجل ضمان ولائهم على المدى الطويل. أما النتائج المالية قصيرة الأجل، فينظر إليها على أنها ثانوية بالمقارنة مع الارتباط طويل الأجل.
- الابتكار والرقمنة: ينظر الكثير من مقدمي الخدمات المالية إلى السياق الحالي على أنه فرصة لتجربة الممارسات المقبولة واستكشاف أساليب وشراكات جديدة أو طرق جديدة للعمل، مثل استكشاف أساليب اتصالات جديدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم رسائل صوتية قصيرة باللغات المحلية، وتجربة الصرف الرقمي للقروض، والابتكار فيما يتعلق بالمدخرات الرقمية، واستخدام برامج الدردشة من أجل تحسين خدمة العملاء عن بعد. أما من الناحية المالية، فيرى الكثير هذه الأزمة على أنها تسلط الضوء على الأهمية الكبرى لمنتجات التأمي ، وكذلك إعادة التمويل والقروض المرحلية قصيرة الأجل. وتقوم بعض المؤسسات بدراسة توفير خدمات إضافية مثل تدريب العملاء وتقديم المشورة للمشروعات والتثقيف المالي، كما يدرس البعض تقديم دعم غير مالي من خلال الشراكات؛ مثل تقديم معلومات عن الإستشارات الطبية عن بعد أو عن العنف الأسري. وقد تحدث أحد مقدمي الخدمات عن برنامج تجريبي مع شركة تكنولوجيا مالية من أجل مساعدة العملاء في الحصول على سلع من المتاجر المحلية بطريقة التسليم للمنازل. وتتمتع الشركات التي لا تعتمد على النقد بميزة تنافسية حيث يمكنها قبول المزيد من طرق الدفع. ويمكن للحكومات أن تقوم بتسريع القدرات غير النقدية والبنية الأساسية فيما بين التجّار بعد الأزمة، ويتم استخدام ذلك كحلّ ممكن.
- دعم الحكومة والممولين: أشار العديد من مقدمي الخدمات المالية إلى أن البنوك المركزية والحكومات في عدد من البلدان، يقومون بالدعم من خلال إلغاء غرامات التأخير، وتأجيل أقساط القروض، وتنفيذ برامج للمساعدات الحكومية المباشرة للعملاء المتضررين. وقام مقدمو الإقراض بدورهم في تخفيف التزامات السداد. وكل ذلك من شأنه تخفيف الاثر السلبي بصورة تدريجية على الفئات في أسفل الهرم الإقتصادي.
- دعم مكافحة وباء كوفيد-19: من المثير للاهتمام أن مقدمي الخدمات المالية يرون أن أحد أدوارهم يتمثل في المساعدة على تزويد العملاء بقناة للمعلومات الدقيقة. ويعتبرون أنفسهم كمؤسسات مسؤولة يمكنها التعاون مع الحكومة ونشر رسائلها، والعمل مع القطاعات الأخرى مثل المجتمع المدني والاتحادات المصرفية. ويقوم البعض بالتخطيط لتعديل الغرض من مؤسساتهم وموظفي الخطوط الأمامية (مثل أدوار أخصائيي الائتمان)، وذلك لتنظيم ندوات صحية، واستخدام البيانات لتكوين خدمات مثل "الخريطة الحرارية لفحص الأعراض" ، وتقديم أدوات أخرى للمساعدة على مكافحة وباء كوفيد- 19.
الدروس المستخلصة
من المهم جدا في وقت الأزمات، أن يتذكر مقدمو الخدمات المالية قيمتهم الاجتماعية ودورهم المجتمعي، وألا يفقدوا تركيزهم على من يقومون بخدمتهم من عملاء ومجتمعات. كما أنهم يستطيعون عندما يربطون أنفسهم بقيمهم، اغتنام الفرصة للتأقلم مع الصعاب واستخدام الآلية الجبرية للأزمة من أجل تقييم ما يقومون به من عمل. إن الوضع الحالي يقوم بتقديم طرق جديدة لجعل نماذج أعمالهم تعمل بشكل أكثر جدّية لصالح منظماتهم عملائهم. كما أن المؤسسات لديها الآن حرية التصرف لاستكشاف خدمات غير تقليدية للقيمة المضافة في إطار حالة أزمة أو تجربة. فأي وقت أنسب من الآن لكي يقوم مقدم الخدمات المالية باستكشاف إمكانية تقديم موقع طبي أو حصول العملاء على المشورة ؟ ومع ذلك وعلى سبيل المثال، من الممكن أن تؤدي زيادة المدفوعات الإلكترونية في الصيدليات إلى فتح مصدر دخل جديد لبطاقات الدفع.
وبنفس الطريقة، يصبح من الواضح يوما بعد يوم أن بعض المنتجات والخدمات تكون في غاية الأهمية للأمان المالي على المدى الطويل وبشكل خاص بين الفئات الأكثر ضعفا. وتتضمن هذه المنتجات، نماذج التأمين والمدخرات والقنوات المالية الرقمية. وتقوم منتجات التأمين المدخرات بحماية العملاء من الكوارث، وقنوات المالية الرقمية تقدم لكل من مقدم الخدمة والعميل إمكانية الوصول إلى خدمات مالية أفضل وبكفاءة أكبر وبتكلفة أقل. كما أن المسافات الاجتماعية التي توفرها المعاملات الرقمية في حالة وجود وباء، من الممكن أن تنقذ الأرواح. وكذلك يمكن أن تكون الخدمات غير المالية التي يوفرها مقدم الخدمات المالية بدءا من تقديم المشورة للمشروعات ووصولا إلى التثقيف المالي؛ أن تكون في غاية الأهمية لضمان الولاء على المدى الطويل ومساعدة العملاء على الصمود في وجه الأزمة. إن مقدمي الخدمات المالية يتم اعتبارهم أيضا كمصادر موثوقة للمعلومات في مجتمعاتهم، ويمكن لهم أن يقوموا بدور هام في نشر رسائل التوعية العامة بشكل أوسع.
ويحتاج مقدمو الخدمات المالية إلى التركيز الداخلي على دعم الموظفين وأوضاعهم. ويعتبر التواصل الداخلي في غاية الأهمية في تحديث معلومات الموظفين ومساعدتهم في التركيز على الأمور الأكثر أهمية. وكبداية جيدة، يجب إعادة توظيف الأدوار التي تباطأت خلال الأزمة من أجل إنشاء قيمة في مكان آخر. وهذه تعتبر فرصة فريدة للتفكير الداخلي المتعمق: فقد وجدنا أن هناك أمور في غاية الأهمية مثل تقييم المخاطر وتقسيم العملاء إلى شرائح وتنويع المحفظة واختبار الأزمة والاستعداد التشغيلي وخطط الطوارئ وخطط استمرارية الأعمال، ربما ان هذه الأمور لا يتم تقديرها بقدر أهميتها في أوقات أخرى وبشكل خاص لدى صغار مقدمي الخدمات المالية. إن فجائية الأحداث قد كشفت عن عدم استعداد العديد من مقدمي الخدمات المالية. وتعتبر القيادة وكما هي دائما، هي الأهم في هذا الوقت. إن الموظفين و العملاء يتطلعون إلى قادة المنظمات لكي يقوموا بتحديد المسار وتوفير معلومات لما سوف يكون عليه الوضع بعد وباء كوفيد -19. واستنادا إلى الحوارات التي أجريناها، فإن العالم سوف يكون مختلفا بالفعل، إلا أن مقدمي الخدمات المالية سوف يكونون في وضع أفضل لخدمة عملائهم بمجرد انتهاء الأزمة.