زيادة الثقة في البريد!
إن مكاتب البريد لديها باع طويل في تقديم الخدمات المالية التي يعود تاريخها إلى عام 1861. لقد قطعت شوطا طويلا منذ ذلك الحين، وبدأ معظمها في المغامرة بالدخول في تقديم الخدمات المالية الرقمية لعملائها.
وتضم شبكة الخدمات المالية البريدية على الصعيد العالمي 1.96 مليار حسابا تنتمي إلى ما يقرب من مليار عميل. وتظهر البيانات التي جمعها الاتحاد البريدي العالمي بأن حوالي 91% من مشغلي البريد يقدمون شكلا من أشكال الخدمات المالية في البلدان والأقاليم الأعضاء في الاتحاد البريدي العالمي. كما يقوم ما يقرب من 900 مليون شخص باستخدام مكاتب البريد كمنفذ لإجراء المدفوعات أو استلامها.
إن مكاتب البريد تتحوّل بشكل متزايد إلى قنوات لتقديم الخدمات المالية الرقمية وذلك استجابة لاحتياجات العملاء. و مع ذلك ، فإن اعتماد واستخدام الخدمات المالية الرقمية البريدية يعانيان من نفس مصير أي تكنولوجيا جديدة. فالإقبال يكون بطيئا وحذرا ويعود العملاء إلى ما اعتادوا عليه من استخدام الأموال النقدية.
يقوم مرفق المساعدة الفنية للشمول المالي التابع للاتحاد البريدي العالمي (FITAF) بإجراء سلسلة من الدراسات لاستقصاء العوامل التي تؤثر في الإقبال على الخدمات المالية الشاملة من خلال قنوات متعددة، بما في ذلك الخدمات المالية الرقمية. ونقوم في الجزء الأول من هذه السلسلة باستكشاف عامل رئيسي يساعد مكاتب البريد على جذب العملاء والاحتفاظ بهم وزيادة ثقتهم في البريد.
إننا نفترض أن زيادة الثقة في البريد كمؤسسة؛ تؤدي إلى زيادة الإقبال على الخدمات المالية البريدية. وكذلك فهي تمكّن وتشجّع العملاء على التعامل مع البريد من خلال قنوات متعددة بما في ذلك المنصّات الرقمية.
واستنادا إلى تجربة الاتحاد البريدي العالمي في العمل مع مكاتب البريد من أجل تحقيق استراتيجية الخدمات المالية الشاملة، وبناء على تقييم للمؤلفات المتوفرة؛ فقد قمنا بتحديد أربعة تدابير لزيادة الثقة في مكاتب البريد بشكل عام، وفي الخدمات المالية البريدية بشكل خاص، وتتمثل هذه التدابير فيما يلي:
- الاستفادة من العلامة التجارية للبريد: إن البريد كمؤسسة ذات مستوى عال من المشاركة المجتمعية ؛ يحظى بقسط كبير من الثقة في بعض البلدان وليس كل البلدان. ويجب على مكاتب البريد الاستفادة من هذه الثقة التي تم تكوينها على مرّ السنين؛ وذلك من أجل تحسين نسبة الإقبال على الخدمات المالية.
- تقديم مهارات التثقيف المالي والرقمي للعملاء: إن الثقة تبدأ بفهم واضح للمنتجات والخدمات المالية التي يرغب العملاء في الحصول عليها. ويصبح هذا الوضوح والفهم أكثر أهمية عندما تكون المبالغ صغيرة ويكون لدى العملاء معرفة محدودة بالقراءة والكتابة أو بالمهارات الرقمية ، وكذلك عندما لا يكونوا معتادين على استخدام التكنولوجيا. ويمكن لمكاتب البريد من خلال الاستفادة من انتشارها وتواجدها؛ أن تقوم بتوفير برامج تثقيفية وتعامل بشري من أجل شرح المنتجات والخدمات، وكذلك تعريف العملاء بالمهارات المالية الأساسية.
- التأكد من أن التعامل مع عميل البريد يكون آمن و بسيط و سلس: يجب تبسيط إمكانية العملاء للوصول إلى الخدمات المالية البريدية ، وذلك من خلال قنوات متعددة تهدف إلى جعل حياتهم المالية أسهل. كما يجب على مكاتب البريد أن تبذل جهودا لتوفير حلول بسيطة و فعّالة و قابلة للتفاعل المتبادل.
- توفير إمكانية الوصول إلى أشخاص حقيقيين: إن سهولة الوصول إلى التفاعل البشري سواء في مواقع خدمة العملاء أو بالقرب من العملاء ؛ تعتبر من العوامل بالغة الأهمية التي تساعد على بناء الثقة في المؤسسات المالية البريدية. إن مكاتب البريد تتمتع بميزة طبيعية تميّزها عن المؤسسات المالية الرسمية عندما يتعلق الأمر ببناء الثقة مع عملائها ، وذلك عن طريق الاستفادة من شبكات مكاتبها المتوفرة والتي غالبا ما تمتد إلى المناطق الريفية النائية بمساعدة من حاملي البريد.
لقد اكتشفنا من خلال الاطلاع على تقرير تم نشره مؤخرا، كيفية استفادة مكاتب البريد من هذه التدابير الخاصة ببناء الثقة واستخدامها لما فيه مصلحتها ، وذلك باستخدام دراسات الحالة والدروس المبكّرة المستفادة من مرفق المساعدة الفنية التابع للاتحاد البريدي العالمي (FITAF). وهناك إحدى الطرق التي يتم بها تعزيز الثقة في البريد وهي من خلال تقديم خدمات المدفوعات الحكومية للأفراد (G2P) و أكبر مثال على ذلك البريد المصري الذي يقوم بتقديم مجموعة من المدفوعات الحكومية للأفراد مثل صرف المعاشات والمرتبات ولديه 35 مليون عميل مسجل (أكثر من نصف عدد السكان البالغين بمصر)، كما أن لديه 25 مليون حساب إدخار.
وتقوم مكاتب البريد أيضا بالاستثمار في عملائها عن طريق توفير دورات تدريبية للتثقيف المالي. فعلى سبيل المثال ، يقوم البريد الإيطالي (Poste Italiane) بالتعاون مع وزارة التعليم الإيطالية بتوفير دورات تدريبية للتثقيف المالي للشباب الإيطالي لتجهيزهم لحياتهم المالية المستقبلية.
وأخيرا ، فإن مكاتب البريد عن طريق استفادتها من انتشارها وقوة شبكتها تقوم بالوصول إلى المجتمعات التي تعاني من نقص الخدمات أو التي لا يتم خدمتها بواسطة مقدمي الخدمات المالية التقليديين. ففي عام 2018 على سبيل المثال، كان لدى بريد سريلانكا ما يقرب من ضعف عدد فروع البنوك التجارية. كما أن بنك المدفوعات البريدية الهندي لديه شبكة واسعة من موظفي البريد في كل منطقة و بلدة وقرية، و يقدم خدمة توصيل الخدمات البنكية للمنازل للأسر الموجودة بالمناطق الحضرية والريفية.
إن هذا الانتشار والتفاعل يؤديان إلى بناء الثقة مع العملاء والمجتمعات، وكذلك إلى زيادة الإقبال على الخدمات المالية البريدية عبر قنوات متعددة. وقد أظهرت دراسة للاتحاد البريدي العالمي بأن الفئات المستضعفة مثل الفقراء والأقل تعليما و الأشخاص من خارج قوة العمل؛ من المرجح أن يكون لديهم حسابات بريدية.
إن مكاتب البريد من خلال هذه التدابير وأساليب أخرى، تستطيع الاستفادة من عوامل هامة لبناء الثقة مع عملائها من أجل سدّ فجوة الشمول المالي وزيادة الإقبال على الخدمات المالية باستخدام القنوات الرقمية.
>> اطلع على الدراسة الأخيرة من الاتحاد البريدي العالمي (بالإنجليزية).