الحصول على الرعاية الصحية يعتبر تحديا ماليا جسيما بالنسبة للفئات المستضعفة بلبنان
في لبنان، تؤدي في بعض الأحيان صدمة صحية واحدة إلى القضاء على ثمار سنوات من المساندة للأسر الفقيرة التي تسعى إلى تحسين سبل كسب الرزق.
تلك هي الرسالة التي سمعتها المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) بقوة ووضوح من قطاع التمويل الشامل في لبنان العام الماضي أثناء اجتماع مجلس المحافظين في بيروت. ذلك يتسق مع نتائج البحوث التي أجرتها مجموعة البنك الدولي وسيجاب والتي أظهرت أن الصدمات الصحية من أشد الأوضاع صعوبةً على الفقراء في لبنان، لاسيما اللاجئين الذين يستضيفهم ويزيد عددهم على 1.5 مليون.
في عام 2019، أجرت مجموعة البنك الدولي وسيجاب تقييما نوعيا على جانب الطلب لإمكانية حصول اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم في لبنان على الخدمات المالية واستخدامهم لها مع التركيز على سلوكياتهم المالية. وتم تجميع البيانات من خلال مجموعات نقاشية و72 مقابلة متعمقة مع رجال ونساء لبنانيين في المجتمعات المضيفة (تم تقسيمهم إلى مجموعتين منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل) ولاجئين سوريين من ذوي الدخل المنخفض. وكان الهدف هو تكوين فهم أعمق عن كيف تدير هذه المجتمعات شؤون حياتها الاقتصادية والمالية، وماذا تفعل لتخفيف المخاطر، وإمكانية حصولها على الخدمات المالية الرسمية وغير الرسمية واستخدامها لها حتى تصبح أقدر على الصمود.
تؤكِّد النتائج التي تم التوصل إليها ارتفاع مستويات الحرمان من الخدمات المالية داخل الفئات منخفضة الدخل من اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة لهم. وتعتمد هذه المجتمعات في العادة على ترتيبات غير رسمية لإدارة التدفقات النقدية غير المنتظمة مثل تحويل النقد إلى ذهب، والاقتراض من الأسرة والأصدقاء، والادخار من خلال جمعيات غير رسمية. وأعرب معظم المشاركين في المجموعات النقاشية والمقابلات عن اعتقادهم أنهم لا يمتلكون دخلا كافيا لفتح حساب مصرفي، وأفصحوا أن ارتفاع التكاليف هو السبب الرئيسي في أنهم لا يستخدمون القروض أو خدمات التأمين، وأظهروا تفاوتا في فهم كيف يمكن استخدام الخدمات المالية في تلبية احتياجاتهم. وكان المسكن هو أكثر النفقات إلحاحا لاسيما فيما بين اللاجئين السوريين الذين لا يمتلكون منازل. وقلة قليلة من الأسر هي التي استطاعت أن تدخر جزءا من دخلها، لاسيما بين اللاجئين الذين يستخدمون في العادة أي أموال زائدة عن الحاجة في سداد ديونهم.
وكشفت الدراسة أيضا أنه بين كل الصدمات الاقتصادية كانت الصدمات المتصلة بالصحة الأكثر تكرارا، ولها أكبر أثر سلبي على رفاهة الأسر.
وبالنسبة للأسر اللبنانية منخفضة الدخل، فإنه حتى المشكلات الصحية متوسطة الشدة مثل كسر ذراع قد تصبح عبئا ماليا ثقيلا لأن معظم الأفراد الذين يعملون في القطاع غير الرسمي لا يتمتعون بتغطية التأمين الصحي. ويزداد الوضع سوءا وقسوةً على اللاجئين، لاسيما الذين يعانون في ظروف معيشية متردية على الرغم مما يقال عن حصولهم على تغطية صحية من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. (الرسوم الطبية والأدوية باهظة الثمن لا تغطيها في العادة هذه الخطط). ونتيجةً لذلك، قد تؤدي إصابة تلحق بأحد أفراد الأسرة إلى تراكم الديون، وفي بعض الأحيان إلى خسارة النشاط الإنتاجي المدر للدخل.
على سبيل المثال، روى رجل لبناني عمره 40 عاما في البقاع لنا متاعبه المالية بعد أن أصيبت زوجته بمضاعفات ناجمة عن جراحة في الجيوب الأنفية. وقال "أجرينا فحصا طبيا لدى الطبيب مقابل 50 دولارا. واحتاجت إلى أربعة أقراص من الدواء ثمنها 160 دولارا، ولأنني لا أملك سيارة بلغت تكلفة الانتقال إلى المستشفى 33 دولارا. وهكذا، كان إجمالي تكلفة تلك الزيارة إلى الطبيب 243 دولارا."
وقال لنا مشارك آخر في المقابلات، وهي لاجئة سورية عمرها 33 عاما في البقاع: "شئ واحد لاحظْتُه هو أنه يوجد دائما مريض من بين أفراد الأسرة طوال العام. والآن، أنا قلقة بسبب إصابة زوجي، ولن يستطيع استخدام ساقه خلال الأشهر الأربعة القادمة."
في غياب الخدمات المالية الرسمية، كان الاقتراض من الأسرة والأصدقاء أكثر الحلول شيوعا في مواجهة الصدمات الصحية تلاه بيع الممتلكات ومنها أصول مدرة للدخل مثل ماكينات الحياكة والأدوات الزراعية. وكان الإلمام بالخدمات التأمينية محدودا لاسيما بين اللاجئين الذين يعتقدون أن وضعهم يحول بينهم وبين الحصول على التأمين. وقال كثير منهم إنهم يتمنون لو أُتيح لهم الحصول على خدمة تأمينية ميسورة التكلفة.
ونظرا لأن أزمة النزوح القسري تفاقمت الآن بسبب الأزمة المالية الناشبة في لبنان فإن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لجعل كل اللاجئين أقدر على الصمود في وجه الصدمات، بما في ذلك الصدمات الصحية.
وخلال العقدين الماضيين، ركَّز قطاع التمويل الشامل على تمكين محدودي الدخل من اغتنام الفرص وتخفيف آثار الصدمات الاقتصادية. وتُظهِر بحوثنا في لبنان أن هذا القطاع يقوم بدور مهم في تسهيل التعاون بين السلطات الحكومية والقطاع الخاص، حينما يتصل الأمر بإتاحة خدمات مالية لكل من اللاجئين والأسر ذات الدخل المنخفض في المجتمعات المضيفة. وبالنظر إلى الحواجز والمعوقات المتصلة بالبيئة التنظيمية والأسواق والبنية التحتية والتي تحول دون توسيع نطاق تقديم الخدمات المالية الرسمية، تستطيع الجهات المانحة تسهيل الروابط بين القطاعين العام والخاص. فعلي سبيل المثال، يمكن لمقدمي الخدمات المالية الدخول في شراكة مع منظمات غير حكومية أو وزارة الشؤون الاجتماعية لتقديم الخدمات إلى المستفيدين من برامج التحويلات النقدية.
وإذا حدث ذلك، فإن المجتمعات المحلية الضعيفة الأولى بالرعاية في لبنان ستستفيد استفادةً هائلة من تيسير الحصول على الخدمات المالية التي قد تساعدها على الكف عن استخدام آليات التكيف السلبية. وقد يساعد توسيع برامج المدخرات البسيطة في إدارة تقلبات الدخل، بينما يساعد تيسير الحصول على قروض على توسيع الأنشطة الاقتصادية المنتجة. ويمكن أن تكون جمعيات الادخار المنظمة وسيلة مهمة لزيادة سلوكيات الادخار، لاسيما مع مواجهة اللاجئين مزيدا من التحديات في الحصول على الخدمات المالية الرسمية.
وبالنظر إلى ارتفاع مستويات الصدمات الصحية التي يتعرض لها اللاجئون والأسر اللبنانية منخفضة الدخل، ستكون الخدمات التأمينية عنصرا أساسيا في صمود هذه الفئات وقدرتها على الصمود. ونظرا لأنه لم يتم بعد إيجاد حل خدمات التأمين الصحي الذي يمكن أن يستفيد منه الأفراد ذوو الدخل المنخفض على نطاق واسع، فإن الخطوة الأولى يمكن أن تكون السعي إلى أن يدعم المانحون تصميم تلك الخدمات، بما في ذلك التسعير وإدارة مطالبات التأمين وأساليب تقديم الخدمات. وتشير ضخامة الصدمات الصحية في لبنان إلى حاجة واضحة لإيجاد حلول أفضل.
Vulnerable Groups in Lebanon Cite Health as Top Financial Challenge