العالم متنقل، لماذا لا تتنقل بياناتنا؟
إن العالم في حركة دائمة. ويوجد أكثر من 164 مليون عامل مهاجر يكسبون رزقهم في بلد أجنبي، ويجذبهم في ذلك فرصة الحصول على أجور أعلى أو في بعض الحالات للحصول على أي أجر. وينضم إلى هؤلاء حوالي 26 مليون لاجئ تم إجبارهم على الفرار بسبب النزاعات. وعلى الرغم من أن البعض يفضّل البقاء خارج بلده، إلا أن الغالبية ترغب في العودة إلى وطنهم في وقت ما، لكي يبدأوا حياتهم من جديد بعد حصولهم على مهارات إضافية أو مدخرات.
ولسوء الحظ، فبالرغم من أن العمال المهاجرين في حالة تنقل؛ إلا أن بياناتهم لا تتنقّل. فبسبب اللوائح التنظيمية والتصميم غير المواتي، يتم عزل البيانات المالية وبيانات العمل والتعليم والاحتفاظ بها في قاعدة بيانات البنوك أو أصحاب العمل أو المنظمات غير الحكومية أو الحكومات. وهذه البيانات تكون متاحة أحيانا في الدفاتر الورقية وأحيانا لا تكون متاحة على الإطلاق، وفي حالات نادرة تكون متاحة بشكل قابل للتنقل والوصول إليها والتحقق منها. وهذا يعني أن الأشخاص المتنقلين غالبا لا يستطيعون الاستفادة من تاريخهم من أجل الحصول على الخدمات المالية أو وظائف أفضل عند مغادرتهم لبلدهم الأصلي أو العودة إليه؛ مثل المقترضين الذين يقومون بالسداد في الوقت المحدد، أو العمال الذين يكتسبون مهاراتهم في وظيفتهم أو الطلاب الذين أكملوا درجاتهم العلمية وشهاداتهم. ويؤدي ذلك إلى أن يضطر العمال المهاجرون أو اللاجئون إلى البقاء خارج وطنهم لمدة أطول من أجل تجميع مدخرات كافية، أو العودة إلى وطنهم وهم بحال ليس بأفضل من وقت مغادرتهم له.
إن إعداد نظام للهويّة الرقمية هو أحد الحلول المحتملة لهذه المشكلة. إن الهويات الرقمية من خلال التطورات الحديثة للتكنولوجيا والتي تستخدم تقنية البلوكتشين أو "الآثار" المبنية على التقنية السحابية، والتي تربط المعلومات التي تم التحقق منها بشخص معيّن، وهذه المعلومات تكون متعلقة بالهويّة والتوظيف والتاريخ المالي و/أو التعليم. ويمكن إصدارها من قبل الحكومات أو الهيئات الدولية أو غيرها من المنظمات وعادة ما يتم تصنيفها على أنها "تأسيسية" يتم تصميمها من أجل التحقق من الهويّة ولكي تشمل جميع الجنسيات، أو "توظيفية" يتم تصميمها من أجل تسهيل تقديم خدمة معيّنة لشريحة محددة من السكان. ويمكن للهويات الرقمية أن تكون مفيدة في العديد من السياقات، إلا أن الهويات الرقمية التوظيفية من الممكن أن تكون فعّالة بشكل خاص للفئات المتنقلة عندما يتم تصميمها من أجل حالات الاستخدام عبر الحدود.
إن منظمة Making Cents International، تقوم حاليا باختبار هذا النوع من الحلول مع العمال المهاجرين الفلبينيين واللاجئين السوريين. وقد قمنا بتسجيل 1,500 من العمال المهاجرين واللاجئين بنظام الهويّة الرقمية التوظيفية والذي يطلق عليه نظام "هويّتي" ؛ و ذلك بدعم من صندوق سند و البنك الهولندي للتنمية وبالتعاون مع مؤسسة المجموعة وشركة صندوق المرأة للتمويل الأصغر، وهما أكبر مؤسستين للتمويل الأصغر في لبنان والأردن على التوالي. وتقوم المؤسستان بعد الحصول على موافقة الأشخاص، بالتحقق من هويّة المتقدمين ومقارنتها بالمستندات التي تصدرها الحكومة، ثم يتم تسجيل معلومات عن التمويل الخاص بهم في الهويّة الرقمية الخاصة بكل منهم (معلومات عن الطلب والعقد ودفعات السداد).
إننا هنا نفترض أن نظام الهويّة سوف يقوم بتسهيل الوصول إلى التمويل للعمال المهاجرين و اللاجئين على حد سواء، لأن هذا النظام يقوم بتزويد المؤسسات المالية المستقبلية بالتاريخ الائتماني الذي يحتاجونه، وكذلك يقوم بتخفيف مخاطر الهروب، حيث أن حاملي الهويّة لن يكونوا راغبين أن يجلبوا معهم سجّلا سيئا لتاريخهم الائتماني عند عودتهم إلى وطنهم.
إن تجربتنا تشير حتى الآن إلى نتائج جيدة؛ وفي نفس الوقت توجد بعض المخاطر لاستخدام الهويّات الرقمية. لقد اغتنم المهاجرون الفلبينيون الفرصة وأنشأوا هويّة، وكانوا مستخدمين نشطين للتطبيق وأعربوا عن استيائهم لعدم تضمينهم في المرحلة التجريبية. إلا أنهم مرشحون مثاليون بسبب أنهم متعلمون بشكل جيد وعلى دراية بالأمور الرقمية ودائمي التفكير في العودة إلى وطنهم حيث يقومون بتحويل الأموال بشكل منتظم ويسافرون إلى وطنهم سنويا. وعلاوة على ذلك، فقد أدرك شركاؤنا من مؤسسات التمويل الأصغر مدى أهمية الهويّة وهم مهتمون بدمج هذا النوع من الحلول مع تطبيقهم لمبدأ "اعرف عميلك" وكذلك مع إجراءاتهم الخاصة بالجدارة الائتمانية.
أما تجربتنا مع اللاجئين السوريين فقد كانت مختلفة. لأن الشريحة التي قمنا بخدمتها كانت مكوّنة من أشخاص تعليمهم ضعيف وليسوا على دراية بالأمور الرقمية وتركيزهم منصب على كسب رزقهم اليوم بدلا من العودة في المستقبل. وقد كانت لديهم صعوبة في فهم الأمور في بعض الحالات، ولم يدركوا القيمة التي سيحصلون عليها، ولم يتمكن الكثير منهم حتى بعد تدريبهم على مفاهيم التثقيف الرقمي؛ أن يتعاملوا مع التطبيق بشكل فعّال. ومع ذلك، يبدو أن مكونات الحوافز قد نجحت، حيث أن النتائج الأولية تشير إلى أن معدّل سداد أولئك الذين لديهم تطبيق "هويّتي" هو أفضل قليلا من أولئك الذين ليس لديهم التطبيق. ويعتبر التحدّي الرئيسي الآخر حتى الآن هو بناء بيئة أساسية من أجل توسيع النطاق حيث أن البيانات لن تكون لها قيمة للمؤسسات المالية والأفراد على حدّ سواء؛ إلى أن يتم تسجيل عدد كاف من المستخدمين وقيامهم بإنشاء هويتهم الإقتصادية.
إن جعل البيانات الاقتصادية متنقلة مثل المهاجرين سوف يكون أمرا صعبا. وسيكون التدريب في غاية الأهمية لهذه الفئات السكانية المعرّضة للخطر، وسوف تحتاج واجهة المستخدم إلى أن تكون سهلة في التعامل معها، كما أن الحصول على أعداد كبيرة بسرعة سوف يكون أمر أساسي لتوسيع النطاق. ومع ذلك، فإن النتيجة الناجحة - عالم يمكن للمتنقل فيه أن يستفيد من بياناته بنفس القدر الذي يستفيد به المستقرّ في بلده - يجب أن تستحق المخاطرة.