نحو تعزيز صمود مؤسسات التمويل الأصغر أثناء الحروب
عندما تضرب الأزمات و الكوارث سواء من صنع الإنسان أو كارثة طبيعية ؛ فإن إدارة الأعمال تكافح للحفاظ على الأعمال التجارية، واستدامة الأعمال. حيث تتبع الإدارة أساليب مختلفة للحفاظ على سير العمل في الأوقات المضطربة مثل النهج الاستباقي. حيث تقوم المنظمات بإعداد خطط استباقية لمواجهة التغييرات التي يمكن التنبؤ بها ؛ ومع ذلك ، في بعض الأحيان تصبح التغييرات التي لا يمكن التنبؤ بها معقدة والتي قد تؤثر سلبا على هذه المنظمات واستمرارية أعمالها. نتيجة لذلك، من المهم جدًا لأي مؤسسة أن تكون مستعدة جيدًا للحفاظ على سير أعمالها في الأوقات المضطربة.
أزمة الحرب في اليمن حاليا في عامها الرابع. ولقد خلقت هذه الحرب واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية من صنع الإنسان في العالم. لقد أثرت الحرب على حياة حوالي 79 في المائة من السكان حيث يحتاج أكثر من 24.1 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية. وقد تسببت في تشريد أكثر من 4 ملايين شخص. منذ عام 2015 ، تقلص الاقتصاد اليمني بحوالي 50%، وفُقدت 600000 وظيفة على الأقل. هذا بالإضافة إلى زيادة معدل الفقر، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر.
ونتيجة لذلك، أصبحت بيئة الأعمال اليمنية غير مستقرة وأكثر تحديا. ومن القطاعات المتأثرة هو قطاع التمويل الأصغر الذي تأثر بشدة وصادف خسائر مالية عالية. حيث قام الآلاف من عملاء مؤسسات التمويل الأصغر بتغيير مواقعهم الأساسية بينما فقد الكثير منهم أعمالهم.
من خلال هذه الدراسة النوعية التي استندت إلى مقابلات مع 11 مهنيًا من مختلف مستويات الإدارة في ثلاث مؤسسات متنوعة (بنك وبرنامج ومؤسسة) من رواد التمويل الأصغر في اليمن، تبين أن عمليات المؤسسات التي خضعت للدراسة قد تعرضت للتوقف بسبب عدة اضطرابات في بيئة العمل، كذلك واجهت هذه المؤسسات تحديات أساسية في بيئة السوق (انظر الشكل) والتي دفعتها إلى تكييف أو تعديل استراتيجياتها وممارساتها.
تأثير الإضطرابات على بيئة الأعمال
إن الاضطرابات البيئية مثل تدمير مشروعات الأعمال للعديد من العملاء وانقطاع رواتب الموظفين الحكوميين ومعدلات التضخم الكبيرة التي أدت إلى انخفاض الدخل العام للمواطنين، فضلاً عن نقص الخدمات الحكومية بما في ذلك الخدمات الأمنية، ونزوح العملاء بسبب المصادمات والقصف، أدت إلى العديد من الانقطاعات في عمليات المؤسسات أبرزها: 1) توقف العديد من منتجات التمويل ؛ 2) تعثر عمليات التحصيل؛ و3) التوقف الكلي في بعض الفروع.
واجهت جميع الحالات موضع الدراسة ضغوطًا من البيئة الخارجية بسبب تغيرات الطلب والمنافسة المتزايدة في بعض المناطق الآمنة وحول بعض المنتجات ذات الربحية العالية. كما تم أيضا التعرف على حالة عدم اليقين وغياب معلومات السوق وتعطل التشغيل بسبب القصف الجوي والاشتباكات المسلحة ونزوح العملاء كأهم الضغوط التي أثرت على أداء المؤسسات.
الإنكماش أم الإستجابة أمام تغيرات الطلب في السوق؟
انخفض الطلب على بعض منتجات القروض، وأصبحت العديد من المنتجات الائتمانية بالية مثل المنتجات المعتمدة على الرواتب كضمان أساسي والقروض لشراء المواد الاستهلاكية والأثاث المنزلي. من ناحية أخرى، فإن التغيرات في الطلب في السوق تجلب فرصًا جديدة أيضًا. على سبيل المثال، حدد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم طلبًا مرتفعًا جديدًا على قروض أجهزة الطاقة الشمسية نظرًا لغياب خدمات الكهرباء العامة وزيادة كبيرة في الحاجة إلى منتجات تحويل الأموال الاجتماعي بسبب العدد المتزايد من الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة.
ووفقًا للمشاركين في الدراسة، قاومت مؤسساتهم البيئة المضطربة الحالية من خلال اعتماد استراتيجيات جديدة. على سبيل المثال، في بداية الحرب، ركزت مؤسستين من الثلاث على جمع أقساط القروض وعدم صرف أي قروض جديدة كاستراتيجية انكماشية. في وقت لاحق، غيرت هاتان المؤسستان استراتيجياتهما إلى استراتيجية استجابة من حيث تعديل المنتجات الحالية وابتكار منتجات جديدة واستهداف مناطق جديدة. وبخلافهما قامت المؤسسة الثالثة بتكييف استراتيجياتها مبكرًا من خلال التركيز على ابتكار منتجات جديدة من خلال تعديل المنتجات السابقة وتعديل وضبط ميزاتها بشكل متكرر بما يتلاءم مع متطلبات كل منطقة جغرافية على حدة.
أهمية التواصل المستمر والمرونة في الأداء
قامت المؤسسات بتحسين قدرتها في الحصول على المعلومات المتعلقة بتغيرات السوق بشكل أساسي من خلال الاتصالات اليومية المباشرة بين مسؤولي القروض والعملاء والحفاظ على علاقة جيدة مع عملائهم والمانحين الخارجيين والداعمين بما يسهم في سهولة تبادل المعلومات.حسنت المؤسسات من قدراتها في تطبيق التغيير المطلوب في المنتجات وبالسرعة المناسبة من خلال فرق تطوير المنتج و التي قامت بارتجال عدد من الممارسات الجديدة وتكييف الإجراءات المعمول بها للحصول على مرونة أفضل أثناء عملية تطوير المنتجات.
علاوة على ذلك، قامت مؤسستان بتطوير خطة طواريء حيث يتم مراجعة الخطة بشكل متكرر شهريا أو أسبوعيا في المناطق المضطربة استنادًا إلى توقعاتهما حول اتجاه الصراع. سمحت هذه الاستراتيجية للمؤسسات بالاستجابة السريعة للاضطرابات بناءً على الإجراءات المخططة مسبقًا حيث تضمنت تخويل لمديري الفروع ومديري المناطق بالتصرف فورًا بناءً على تقييمهم للوضع دون الرجوع للإدارة المركزية.
لكن عندما تجاوزت عواقب الأزمة قدرة المؤسسات على التغلب عليها، قامت المؤسسات بإعداد خطة للإنعاش واستعادة النشاط بناءً على تقييمهم للأضرار والعواقب المتوقعة. واستناداً إلى تلك الخطة، طلبت من الحكومة وغيرها من الجهات الداعمة غير الحكومية للمساعدة في تمويل خطط الإنعاش والاستعادة الخاصة بهم. أيضًا، من أجل الحفاظ على العملاء الجيدين والحفاظ على سمعة المؤسسة، تضمنت خطط الإنعاش والاستعادة على الاحتياجات اللازمة لإنقاذ عملاءها المتعثرين أو المتضررين من الحرب لأجل مساعدتهم على استعادة أنشطتهم مرة أخرى.
لقد كشفت الدراسة مدى قدرة مؤسسات التمويل الأصغر على التكيف والصمود في ظل الأزمة الراهنة في اليمن. وفي النهاية، نوصي المؤسسات بمواصلة ضبط وتكييف سياساتها واستراتيجياتها وممارساتها بناءً على الدروس المستفادة ومواصلة البحث عن المزيد من المساعدة من المنظمات المهنية والباحثين والمانحين لتعزيز قدراتهم على الصمود.
تم كتابة هذا المقال للبوابة العربية بواسطة الباحثين نشوان صبرة ونبيل الصهيبي لتقديم أبرز النتائج من الدراسة النوعية التي قاما بها وتم نشرها بالإنجليزية في مجلة بحوث الأعمال والإقتصاد من إصدار Macrothink Institute.
رابط الدراسة: Toward Better Resilience During the War Crisis: Case Study of Three Microfinance Institutions in Yemen