هل الأمية عقبة أمام استخدام التمويل الرقمي؟
إن المناطق الجافة النائية بأفريقيا جنوب الصحراء والتي تتميز بالتقاليد الذكورية والافتقار للتعليم والبنية الأساسية وعدم إمكانية الوصول إلى النظم المالية والسوقية ؛ كل ذلك من شأنه أن يحيط المرأة بدائرة قاسية من الفقر المدقع. ومع ذلك ، لا تزال روز ليليزيت تقوم بدعم أسرتها المكونة من ثمانية أفراد مع تحقيق أرباح من المشروع الذي تديره مع شريكتين من إقليم لودوكيجيك بشمال كينيا. إن أطفالها يتغذون ويذهبون إلى المدرسة، كما أن روز كلها ثقة بأنها تستطيع من خلال دخلها أن تتعامل مع الأزمات مثل الجفاف أو حالات الطوارئ.
وتقول روز: "إن الناس هنا كانوا دائما رعاة للماشية ؛ إلا أن هذه الحياة أصبحت صعبة للغاية. وهذه الفكرة الجديدة التي تتمثل في أنه يمكننا القيام بمشاريع، من شأنها أن تغيّر كل شيء".
تمكين رواد الأعمال الجدد
لقد قامت روز وشريكتيها بالالتحاق بمشروع بوما (The BOMA Project) في عام 2017 ، وهو برنامج للخروج من الفقر يقوم بالتركيز على المرأة. وقد تم إمدادهن برأس المال الأساسي للبدء في مشروع لتجارة الماشية واللحوم. وقد تلقين أيضا التدريب المالي والتجاري والتدريب على المهارات الحياتية وكذلك التوجيه المستمر وهاتف محمول مرتبط بحساب في نظام "إم بيسا M-Pesa" وهو إحدى خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف بكينيا.
وعلى الرغم من أنه قد تم التوسع في الشمول المالي في كينيا بشكل كبير على مدار السنوات الأخيرة حيث يوجد 82% من عدد البالغين لديهم حسابات مصرفية في عام 2017 ؛ إلا أنه لا تزال هناك فجوة بين الجنسين في ملكية الحسابات. وتواجه المرأة عقبات كبيرة تحول دون تحقيق الأمان المالي بما في ذلك مخاطر السرقة وعدم المشاركة في القرارات المالية للأسرة. وتقوم منصات الخدمات المالية الرقمية بمساعدة المحرومين من الخدمات المصرفية من أجل الحصول على الخدمات المالية واستخدامها و المنتجات المرتبطة بها ، وتمنح المرأة مكانا آمنا لإجراء المعاملات وتوفير الأموال الخاصة بها.
إن نموذج بوما به خطوة مهمة تتمثل في الارتباط بالخدمات المالية الرقمية بحيث تتمكن المرأة بشكل كامل وآمن من الاشتراك في المعاملات المالية. ومع ذلك وعلى الرغم من أن توفير الهواتف المحمولة وحسابات "إم-بيسا" هي الخطوات الأولى للحصول على الخدمات المالية الرقمية ؛ إلا أنه بالنسبة للعديد من النساء في المناطق النائية والمستبعدة تماما، لا تزال هناك تحديات اجتماعية وثقافية متعددة متعلقة بالنوع الاجتماعي، و تتضمن الأمية والجهل بالعمليات الحسابية والمهارة الرقمية. وتوجد دراسة أساسية شملت 750 امرأة لدى مشروع بوما ، والتي قد أظهرت أن 8% فقط من هؤلاء النساء يستطعن القراءة بالمقارنة مع 74% على مستوى الدولة ، كما أن العديد من المشاركات في مشروع بوما يعتمدن على أنظمة المحاسبة الشفهية وأفراد الأسرة من أجل مساعدتهن في تتبع المعاملات.
تقول روز: "لم أكن أعرف أهمية التعليم؛ وكانت عيني عمياء عن أشياء كثيرة. إلا أنني الآن أرى أن التعليم ساعدني على إدارة هذا المشروع بحيث كنت أعرف الأرقام و الكلمات. لكنني اتعهد بإلحاق أبنائي بالمدرسة حتى لا يواجهون هذه المشكلات".
تجاوز الاعتماد على الآخرين
إن المشاركات مثل روز وشريكتيها ؛ بحاجة إلى دعم لإجراء المعاملات على هواتفهن أو لإجراء مدفوعات أو تحويلات. وهن غالبا ما يتعلمن الحلول العملية للتعامل مع حقيقة أنهن لا يستطعن القراءة أو التعرّف على أرقام الرموز الرياضية المتعددة ، مثل تذكر أي الخيارات الظاهرة على الشاشة يشير إلى إيداع أو تحويل. كما أن الأخطاء مثل تحويل مبالغ خاطئة أو إرسال مبالغ إلى المستلم الخطأ ؛ من الممكن أن تؤدي إلى إضعاف ثقة النساء في قدرتها على التعامل مع الأموال.
وتقول سيلستين هيبور المسؤولة الميدانية لمشروع بوما في مقاطعة مارسابيت بكينيا: "إن المشاركات لدينا غالبا ما يعتمدن بشكل كبير على أفراد الأسرة أو موجهات مشروع بوما من أجل مساعدتهن في المهام المالية لأنهن لا يستطعن القراءة أو التعامل مع الأرقام. و لكن لكي يصبحن ناجحات بعد فترة عامين من برنامجنا ؛ يجب أن تكن قادرات على إدارة هذه الأعمال بمفردهن. لقد علمنا دوما أننا بحاجة لإيجاد طريقة للتعامل مع هذه الصعوبات".
إيجاد حلول لإزالة العوائق التي تحول دون استخدام المرأة للتمويل الرقمي
من أجل تحقيق ذلك؛ يقوم مشروع بوما باستكشاف أساليب مبتكرة لمساعدة المشاركات في التغلب على تحديات الأمية والجهل بالعمليات الحسابية. وبدعم من مؤسسة بيل و ميليندا جيتس؛ تقوم منظمة IDEO.org وهي منظمة تقوم بتصميم المنتجات والخدمات لتحسين حياة الفئات المستضعفة ؛ بإجراء دراسة عالمية لمدة عامين من أجل فهم ومعالجة العوائق التي تحول دون حصول النساء شديدة الفقر على الخدمات المالية الرقمية واستخدامها. ومن بين الأهداف التي ترمي إليها الدراسة ما يلي:
- فهم العوائق التي تحول دون تبني واستخدام النساء للخدمات المالية الرقمية.
- تطوير فرص حقيقية لزيادة الرغبة في الخدمات المالية الرقمية والوصول إليها واستخدامها.
- تمكين النساء الأميات من الاندماج في النظام المالي الرقمي.
- دراسة كيف يمكن أن يؤدي الحصول على الأموال والأصول إلى تغيير المرأة لنمط حياة الأسرة.
- تحديد الطريقة التي يمكن بها للخدمات المالية الرقمية أن تساعد على ربط النساء بشمال كينيا مع نظم السوق.
لقد أمضت منظمة IDEO تسعة أسابيع في أبحاث عن أعمال مشروع بوما والتعلم بشكل مباشر حول تعقيدات القيام بمعاملات مالية وحصول الفئات المستبعدة تماما على الخدمات المالية الرقمية. وقد قام فريق عمل المنظمة بحضور اجتماعات مجموعات المشاريع والمدخرات، وقام الفريق بمصاحبة النساء إلى أكشاكهن أو إلى سوق الماشية وقام بإجراء مقابلات شخصية معهن في منازلهن، وقام بدراسة متعمقة لسلوكياتهن وللقدرات التي تؤثر على استخدام النساء للخدمات المالية الرقمية.
وقد قام فريق العمل بتحديد العديد من الفرص من أجل تصميم تطبيقات للخدمات المالية الرقمية يتم استخدامها بواسطة الهواتف المحمولة ، وذلك بغرض جعلها في متناول هذه الفئات بشكل أكبر، وقد تضمن ذلك ما يلي:
- نقاط لمس واضحة من أجل المستخدمين محدودي المعرفة بالقراءة والكتابة (مثل تحويل النص إلى كلام أو لأيقونات الأكثر وضوحا).
- إنشاء خطوات بديلة للتحقق، بالإضافة إلى رمز التعريف الشخصي (مثل التعرّف على الصوت).
- تطوير منتجات للادخار تمنح المستخدمين المزيد من الثقة في أن يكونوا مسؤولين عن الأموال ( مثل حساب توفير مشترك مع الزوج أو محفظة مخصصة للرسوم المدرسية).
سوف يكون للدروس المستفادة من البحث آثار بعيدة المدى على برامج الحدّ من الفقر وسوف تساهم في تكوين مجموعة من الأدلة الهامة التي من شأنها في النهاية تحسين إمكانية وصول المرأة للخدمات المالية الرقمية واستخدامها في المناطق النائية والمستبعدة تماما.
كما يقوم مشروع بوما بالتعرّف على التوصيات المستمدة من منظمةMy Oral Village ، وهي منظمة تقوم بربط الخدمات المالية بالفئات غير الملمة بالعمليات الحسابية أو محدودة الإلمام بالعمليات الحسابية ؛ وقد نفذّت بنجاح عمليات التأهيل للفئات المستبعدة تماما في تنزانيا والتي تقوم بدعم المهارات اللازمة لإقامة المشاريع مثل تتبع المعاملات وتتبع المخزون والدفع للموردين. وتتضمن هذه التوصيات ما يلي:
- أدوات بصرية.
- تطوير نموذج تدريبي للتعامل مع الأمور الحسابية من أجل المشروعات متناهية الصغر ومجموعات الادخار.
- إعداد تطبيقات مبنية على نظام مفتوح المصدر مثل أندرويد بما في ذلك آلة حاسبة للنقد ومجموعة للألعاب الحسابية ولعبة تتماشى مع نظام "إم-بيسا" ونظم مخصصة لحفظ سجلات مجموعة المشاريع والإدخار.
الحرص على خدمة الفئات المستبعدة تماما
إن القصص مثل قصة روز؛ تظهر مدى القدرة على التحوّل الذي يمنحها الشمول المالي من خلال التكنولوجيا الأكثر شيوعا المتمثلة في الاستخدام البسيط للهاتف المحمول. إلا أن وجود هاتف لديه إمكانية الوصول إلى الخدمات هو مجرد جانب واحد من جوانب الشمول المالي للعديد من النساء المحرومة من الخدمات المصرفية في المناطق النائية والمستبعدة تماما ، ولا تزال هناك عوائق كبيرة أخرى تحول دون أن تصبح المرأة جزءا من النظام الاقتصادي. إن دمج الابتكارات البسيطة والفعّالة في تصميم برامج الحدّ من الفقر؛ من الممكن أن يساعد الأشخاص الذين يعانون من نقص الخدمات المالية على الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية ، وذلك لكي يصبحوا دعائم اقتصادية في أسرهم ومجتمعاتهم.