الحوكمة الجيدة هي الأساس في المقام الأول والأخير!
اجتمع على مدار ثلاثة أيام 41 مشاركا يمثلون القيادات العليا (مستوى المدراء التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة) من 19 مؤسسة تمويل أصغر عربية رائدة في بيئة تفاعلية من أجل التعلم والتبادل بين الأقران حول القضايا الرئيسية المتعلقة بالحوكمة والقيادة الإستراتيجية. لقد تم انعقادندوة الحوكمة القيادة الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في الفترة من 7 إلى 9 مارس/آذار 2017 في مدينة عمان بالأردن، بتنظيم من مؤسسة كالميدو ومركز الشمول المالي بمؤسسة "أكسيون" وشبكة التمويل الأصغر للبلدان العربية "سنابل" ، وبدعم من البنك الهولندي لتنمية المشروعات (FMO)؛ وذلك في حدث لأول مرة من نوعه في المنطقة العربية. والجدير بالذكر انه تم تصميم هذه الندوة بناءا على الخبرة العريضة المكتسبة من برنامج الزمالة الأفريقي لحوكمة مؤسسات التمويل الأصغر. وقد شاركت بوابة التمويل الأصغر العربية في تيسير اللقاء ويسعدنا أن نشارككم النتائج الرئيسية المستخلصة من هذه التجربة.
إن الحوكمة الجيدة هي ضرورة حتمية، والمستثمرون على استعداد لتحمل نفقات إضافية من أجل تواجد حوكمة مؤسسية فعّالة. وفقا للدراسة المشتركة الصادرة عن مؤسسة التمويل الدولية وشبكة سنابل في عام 2015 حول تقييم المخاطر المحتملة التي تواجه قطاع التمويل الأصغر في العالم العربي، أظهرت هذه الدراسة أن الخطر الذي يواجه قطاع التمويل الأصغر بسبب ضعف الحوكمة المؤسسية يأتي في المرتبة السابعة من حيث حدة الخطورة. ويرى مقدمو الخدمات المالية بوجه خاص أن هذا الخطر يتزايد. و قد أشار محمد خالد، كبير مسؤولي عمليات التمويل الأصغر بمؤسسة التمويل الدولية لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، بأن ذلك يرجع بشكل كبير إلى أن معظم مؤسسات التمويل الأصغر بالمنطقة هي عبارة عن منظمات غير حكومية وأغلب أعضاء مجلس الإدارة من المتطوعين؛ مما قد يؤثر على فاعلية المجالس. وكذلك توجد مشكلة اللوائح التنظيمية، إلا أن بتطور التشريعات في المنطقة قد يسمح لمؤسسات التمويل الأصغر بالتحول المؤسسي والتسجيل كمؤسسات مالية غير بنكية؛ ذلك من شأنه أن ينتج عنه حاجة لمستثمرين، وبالتالي حاجة لحوكمة مؤسسية جيدة. وكما صرح هاني أسعد، أحد مؤسسي أفانز كابيتال للاستثمار وكبير مسؤولي المحفظة والمخاطر قائلا: "إنني كمستثمر أبحث عن إضافة القيمة وتقليل المخاطر"، ثم أردف قائلا: "إن الحوكمة المؤسسية من شأنها زيادة قيمة الأعمال". كما شارك السيد أليكس سيلفا المدير التنفيذي لمؤسسة كالميدو بتجاربه في أمريكا اللاتينية وقدم العناصر الرئيسية لمجلس الإدارة الفعّال وأشار إلى أن فهم ديناميكية مجلس الإدارة وكيفية القيام بالمسؤوليات المشتركة من الأمور الأساسية للحوكمة الفعّالة.
إن إدارة بيئة تتسم بالتعقيد المتزايد والتغيير المستمر تتطلب إستراتيجية جيدة و قيادة فعّالة. قامت ديبورا دريك، نائب رئيس مركز الشمول المالي بإستعراض سريع لتطور تقرير مخاطر التمويل الأصغر والمعروف باسم "قشور الموز" منذ عام 2008 إلى عام 2016 ؛ وصرحت قائلة: "اننا نجد أن تغيّر المخاطر يعكس مدى تحوّل الصناعة". إن التقرير الصادر في عام 2016 يقوم بدراسة التغيّر والتوسع المطّرد في مشهد الشمول المالي من أجل فهم أفضل لكيفية رؤية مقدمي الخدمات للتحديات، مثل وسائل التكنولوجيا الحديثة والوافدين الجدد إلى السوق وقدرة العملاء على السداد ومخاطر الاقتصاد الكلي. وقد أظهر التقرير أن تسعة من أشد عشرة مخاطر خطورة هي عبارة عن "مخاطر داخلية"؛ وأن المؤسسات بدون إستراتيجية جيدة قد تجد نفسها مهمشة. وقد عبّر المشاركون بالندوة بالفعل عن قلقهم إزاء المنافسة من الداخلين الجدد في السوق، وبشكل خاص شركات التكنولوجيا المالية. إن عدد شركات التكنولوجيا المالية بالمنطقة التي تقدم خدمات مالية وفقا لتقرير حديث؛ قد تضاعف من 46 إلى 105 شركة خلال الثلاثة أعوام الماضية. ويقوم نصف هذا العدد بتقديم حلول للسداد وثلثها يقوم بالإقراض وخدمات التمويل. هذا ويقدّر عدد المقترضين الذين تقوم بخدمتهم مؤسسات التمويل الأصغر في المنطقة بحوالي ثلاثة ملايين مقترضا بمحفظة نشطة تقدّر بما يزيد عن 2 مليار دولار – و هو أقل بكثير من إمكانية استيعاب السوق. ويرجع هذا الركود إلى عوامل داخلية (مثل التوسع البطيء وعدم توافر التنوع في المنتجات) أو عوامل خارجية (مثل عدم الاستقرار السياسي وعوائق اللوائح التنظيمية). ولذلك يجب على مؤسسات التمويل الأصغر بالمنطقة أن تدرس المخاطر والفرص المختلفة من أجل مواكبة التغيّرات عن طريق استخدام إستراتيجية جيدة وقيادة فعّالة.
إن التركيز على احتياجات العميل هو أمر أساسي من أجل الاستدامة والنمو المسؤول. لقد عبّر العديد من المشاركين عن قلقهم إزاء الانحراف عن الرسالة الاجتماعية عند التحوّل إلى مؤسسات تجارية هادفة للربح. وقد قام كل من صندوق المرأة بالأردن ومؤسسة الأمانة بالمغرب بتقديم سبل حفاظهم على التوازن المالي والاجتماعي عن طريق التأكد من قيام مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية الخاص بكل منها باستخدام كل من مؤشرات الأداء الاجتماعي والمالي. فعلى سبيل المثال قام صندوق المرأة بإنشاء وظيفة لمدير الأداء الاجتماعي وقامت مؤسسة الأمانة بإنشاء لجنة للأداء الاجتماعي تقدم تقاريرها إلى مجلس الإدارة. كما أن كل من "المعايير العالمية لإدارة الأداء الاجتماعي" و"مبادئ حماية العملاء من الحملة الذكية" يقومان بتوفير التوجيه والإرشاد حول أفضل الممارسات وذلك لمساعدة مقدمي الخدمات المالية على وضع العميل كمحور للاهتمام في جميع القرارات الإستراتيجية والتشغيلية، وكذلك بجعل جميع السياسات والإجراءات تتماشى مع الممارسات المسؤولة للقيام بالأعمال. وعلاوة على ذلك ، فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن التركيز على احتياجات العميل يتيح الفرصة للمؤسسات لكي تقوم بخدمة العميل بشكل أفضل وكذلك التصدي لمعظم التحديات الشائعة التي تواجهها مثل التوسع والاستحواذ على العملاء والاحتفاظ بهم.
ولقد غادر المشاركون الندوة ولديهم فهم أفضل عن الحوكمة الجيدة وأدوار ومسؤوليات مجلس الإدارة. كما التزم العديد منهم بالقيام بمداخلات على المستوى المؤسسي الفردي مثل: تكوين لجان متخصصة تابعة لمجلس الإدارة، وتوفير تدريب لأعضاء مجلس الإدارة، وتعيين أفراد ذوي خبرة ومهارات أكثر تنوعا داخل المجلس مع الانتباه إلى ادماج المرأة والشباب، وتحديد القدرة على تحمل المخاطر من أجل تقييمها وإدارتها بشكل فعال، والعمل بجدية على استكشاف الابتكارات والحلول التقنية وتعديل نموذج الأعمال لمواكبة هذه التطورات، ودمج الأداء الاجتماعي ومبادئ حماية العملاء، و أخيرا، التخطيط الجيد وإعداد جيل جديد لقيادة المؤسسات. وسوف يقوم منظمو الندوة بمتابعة كل هذه التطورات ونتمنى أن تكون الأولى ضمن خطوات عديدة قادمة من أجل قطاع تمويل أصغر أكثر شمولا ونموا في المنطقة العربية!
* تم إعداد هذا المقال في إطار الشراكة الإعلامية بين كل من مركز الشمول المالي والبوابة العربية.