أهمية الشريك الذي يعتمد عليه في وقت الأزمات
مع كثرة الأزمات التي تحدث حاليا في أنحاء كثيرة من العالم العربي، يحاول مجتمع المانحين إيجاد السبل المناسبة لمعالجة الخسائر الفادحة والضعف المتزايد في المنطقة. ويحدث ذلك لأنه عادة ما يتردد المانحين في الذهاب إلى المناطق الأكثر احتياجا على سبيل المثال غزة وسوريا وأفغانستان واليمن، و أيضا تونس بعد ثورتها والمغرب بعد أزمة سداد الديون بسبب المخاطر العالية المتوقعة، فضلا عن المخاوف الاقتصادية والأمنية. ومع ذلك، فإن هذه الأوقات الصعبة هي بالضبط التي تكون فيها الحاجة أكثر من غيرها إلى دعم المانحين والمستثمرين.
التمويل الأصغر هو أداة هامة يمكن أن تساعد الأسر في مواجهة احتمالية التعرض للمخاطر، وتزيد من الفرص المتوفرة لديهم. وفي حين أن المساعدات الإنسانية (الرعاية الصحية والمأوى والغذاء، الخ) يمكن أن تعالج الاحتياجات الفورية في كثير من الأحيان وقت الأزمات، ولكن توفير مجموعة واسعة من الخدمات المالية ذات الجودة العالية وبأسعار معقولة يمثل على المدى الطويل، الحل المستدام الذي يمكن أن يساعد الأسر على الوقوف على أقدامها خلال الأوقات الصعبة.
العمل من خلال وسطاء القطاع الخاص
مؤسسة التمويل الدولية، هي مؤسسة استثمار عالمية رائدة في قطاع التمويل الأصغر، وتدعم الوسطاء الماليين (مؤسسات التمويل الأصغر أو البنوك والمنظمات غير الحكومية، والشبكات العالمية) عن طريق تقديم مجموعة من الخدمات الاستثمارية والاستشارية. وفي الواقع، لدى مؤسسة التمويل الدولية حاليا محفظة تقوق قيمتها 2 مليار دولار، وتتعامل مع أكثر من 300 عميل من مؤسسات التمويل الأصغر في أكثر من 90 بلدا.
لقد رأينا أهمية اختيار الشركاء من خلال العمل مع المؤسسات القوية ذات المعرفة المتعمقة وذات العلاقات المتينة مع مجتمعاتهم المحلية. وبهذه الطريقة، يمكن الاستجابة للأزمات بشكل أفضل وفقا لاحتياجات المستفيدين. وبالمقابل، بناء قدرات الجهات الفاعلة المحلية في القطاع الخاص يمكن أن يساعد الجهات المانحة والمستثمرين على تحقيق قدر أكبر من التأثير مما إذا عملوا وحدهم، مع ضمان أيضا أن هذا الدعم هو المستدام بعد فترة طويلة من التدخل. وعلاوة على ذلك، في أوقات الأزمات، غالبا ما تبقى الجهات المانحة والمستثمرين نشيطين في هذه البلدان من خلال نفس هؤلاء الشركاء المحليين.
شريك استثماري طويل الأجل
القدرة والاستعداد لتوفير التمويل في البلدان ذات المخاطر (قبل أن يتأزم الوضع) واحتمالية "حشد" مستثمري القطاع الاجتماعي أو الخاص هو بالغ الأهمية للمانحين والمستثمرين القادرين أن يكونوا فعالين عندما تحدث الأزمات. على سبيل المثال، في عام 2011، قدمت مؤسسة التمويل الدولية قرض بقيمة 3 ملايين دولار ل"فاتن"، مؤسسة التمويل الأصغر الرائدة العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة والذي هو سوق ذات اقتصاد غير مستقر يعاني من تجميد رواتب موظفي الحكومة بشكل دوري ومن قيود مفروضة على الموارد وصراعات. وعلاوة على ذلك، يتركز ما يقرب من 25٪ من محفظة فاتن في غزة. هذا الاستثمار، وبالرغم من حجمه المتواضع، ربما شجع المستثمرين الآخرين على توفير التمويل أيضا، الأمر الذي ساعد على التوسع الأخير الهائل لفاتن.
في أعقاب الأزمة عندما يتباطأ نمو محفظة التمويل الأصغر وتجف مصادر التمويل وتفقد العملة قيمتها أو تتعطل الأنشطة الاقتصادية يشكل ذلك فرصة أخرى لموارد المستثمري (في شكل عملة محلية أو ديون أجنبية، أو رأس مال، أو ضمانات إئتمان جزئية) لكي تصبح ذات أهمية أكبر. وفي تونس، عندما اندلع الربيع العربي، شهدت أندا العالم العربي، واحدة من أكبر مؤسسات التمويل الأصغر في البلاد، أزمة في السيولة، وكانت الجهات المانحة والمستثمرين (بما في ذلك مؤسسة التمويل الدولية) في نهاية المطاف قادرين على التدخل لتوفير التمويل النقدي المتوسط الأجل اللازم لمساعدة استمرارهم في خدمة عملائهم. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من قضايا الصراع والأمن في أماكن مثل سوريا وأفغانستان فإن المستثمرين مثل مؤسسة التمويل الدولية وبنك التنمية الألماني وهيئة الآغا خان للتمويل الأصغر حافظوا على بعض الأسهم في الشركات المحلية التابعة للآغا خان (مؤسسة الأولى للتمويل الأصغر في سورية وبنك الأولى للتمويل الأصغر في أفغانستان) بدلا من الانسحاب تماما.
وفي السياق نفسه، وفي استجابة للأزمة المالية العالمية خلال 2008 و2009 وخلال الضغوط المالية التي لم يسبق لها مثيل، أطلقت مؤسسة التنمية الدولية وبنك التنمية الألماني والشركاء الآخرين مرفق تعزيز التمويل الأصغر العالمي (MEF) بقيمة 50 مليون لتوفير تمويل قصير أو ومتوسط الأجل لمؤسسات التمويل الأصغر التي تواجه النقص. واعتبارا من ديسمبر/كانون الأول 2013، كان لدى المرفق مصروفات تراكمية بقيمة 651 مليون دولار ل214 قرض في 99 مؤسسة، ووفرت استجابة سريعة للأزمات لأنها ظهرت في البوسنة والهرسك، ونيكاراغوا، والهند، وكمبوديا، وفي أماكن أخرى في جميع أنحاء العالم.
هذه القدرة على البقاء ترسل إشارة مهمة إلى كل من مؤسسات التمويل الأصغر وقطاع التمويل الأصغر ككل، وهي أن المستثمر ليس مجرد صديق في الأوقات السهلة ويبحث فقط عن فرص التطور، ولكن هو أيضا شريك استراتيجي موثوق فيه ومستعد لمواصلة المسيرة خلال الأوقات العصيبة.
تقديم الاستشارات ذات الجودة العالية في الوقت المناسب
وبالإضافة إلى الدعم الاستثماري، توفر العديد من الجهات المانحة والمستثمرين مؤسسات التمويل الأصغر بالخدمات الاستشارية أو إدارة الأسهم النشطة، أو تقديم المشورة في مجالات الإدارة وهيكل الحوكمة. الحصول على الخبرات العالمية والدعم التقني قد يساعد مؤسسات التمويل الأصغر على بناء القدرات، و في كثير من الحالات، يساعدها على الخروج من الأزمات الحالية أو الإعداد للأزمات المقبلة. على سبيل المثال، في أعقاب أزمات السداد المختلفة في تونس والمغرب، ساعدت مؤسسة التمويل الدولية مؤسسة أندا في تونس والأمانة في المغرب على صقل استراتيجيات إدارة القروض المتعثرة القائمة، وبناء أطر قوية لإدارة المخاطر لدعم جهود مؤسسات التمويل الأصغر لإعادة بناء نوعية محافظهم وإعدادهم للظروف الصعبة في المستقبل.
وفي اليمن، قبل اندلاع النزاع الأخير، وفرت مؤسسة التمويل الدولية لإثنين من بنوك التمويل الأصغر الرائدة؛ مصرف الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي وبنك الأمل للتمويل الأصغر، دعم استشاري شامل يهدف للمساعدة في تعزيز البنوك وتنويع المنتجات (بما في ذلك في المشاريع الصغيرة والمتوسطة). وفي حين انسحبت العديد من الجهات المانحة أو وقفت دعمها بسبب المأزق السياسي والمخاوف الأمنية، حاولت مؤسسة التمويل الدولية أن تظل تعمل بنشاط وتواصل تقديم الدعم. لقد رأينا أن الاستشارات التي تقدمها الجهات المانحة والمستثمرين (وخاصة خلال وقت الأزمات) هو موضع تقدير كبير من قبل الجهات المتضررة سواء في اليمن أو أفغانستان أو البوسنة أو ليبيريا.
وباختصار، وبحسب شركاء مؤسسات التمويل الأصغر، أهم شيء -لا سيما في أوقات الأزمات- أن يكون للمانحين والمستثمرين شريك مستقر على المدى الطويل. وعلاوة على ذلك، تقدر مؤسسات التمويل الأصغر الدعم الاستثماري والاستشاري للوصول إلى السيولة أو النقد الأجنبي اللازم في أوقات عدم اليقين لتخفيف النقص في التمويل، وأيضا القدرة على الاستفادة من الخبرة والمعرفة العالمية، سواء من خلال المساعدة التقنية أوالدعم الاستشاري. وإذا لم يتوفر ذلك، فإن الإنخراط في مجلس الإدارة وإدارة الأسهم النشطة هو في بعض الأحيان أكثر النصائح أهمية.